كلمة سمو الأمير المفدى في القمة الاولى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية والاتحاد الأوروبي
بسم الله الرحمن الرحيم
أصـحـاب الـفـخـامـة والـسـمـو
أصـحـاب المـعالي والسعادة،
الحضور الكرام،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أود في البداية أن أحييكم، وأن أشكر كلًا من معالي السيد/ جاسم البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية وسعادة السيد/ شارل ميشيل، رئيس المجلس الأوروبي على جهودهما الحثيثة لتنظيم هذه القمة.
يأتي انعقاد هذه القمة الخليجية الأوروبية الأولى في ظل رئاسة دولة قطر للدورة الحالية لمجلس التعاون الخليجي، ولا شك أن هذه القمة هي تتويج لعمل دؤوب على مدار السنوات الماضية وتعكس الاهتمام والحرص المتبادل لدى الطرفين الخليجي والأوروبي على تعزيز التعاون والحوار والتنسيق بينهما بصورة جماعية، وتدعيماً لقنوات التواصل القائمة بالفعل على المستوى الثنائي بين الدول في الجانبين الخليجي والأوروبي.
لقد ارتبطت دول الخليج العربية ودول الاتحاد الأوروبي بأواصر وعلاقات تاريخية وطيدة استندت قوتها عبر العقود إلى اعتبارات المصالح المتبادلة والتوافق على مبادئ مثل احترام القانون الدولي وتوطيد السلم والأمن الدوليين، واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وتحقيق الرخاء للجميع.
ونثمن هنا اعتماد الاتحاد الأوروبي للوثيقة المشتركة للشراكة الإستراتيجية مع دول الخليج في عام 2022 وتعيين ممثل خاص لمنطقة الخليج، ونحن في دول مجلس التعاون حريصون على تعزيز العلاقات الخليجية الأوروبية في شتى المجالات من خلال تنسيق الجهود بشأن القضايا الإقليمية والدولية، وتحفيز التعاون التجاري والاستثمارات، وتبادل الخبرات في مجال البحوث والابتكار، ومكافحة التغير المناخي، والحفاظ على البيئة، والتنوع الاقتصادي.
وعلى الصعيد الاقتصادي فإننا على يقين بأن مستقبل تعاوننا الخليجي الأوروبي واعد فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين دولنا 204,3 مليار دولار أمريكي عام 2022 بما يعادل 13,2% من إجمالي حجم التبادل التجاري لدول مجلس التعاون الخليجي.
وارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر لهذه الدول في بلدان الاتحاد الأوروبي بشكل ملحوظ خلال العقد الماضي ليبلغ 177.8 مليار دولار أمريكي في عام 2022، كما ارتفع حجم الاستثمار الأجنبي المباشر للاتحاد الأوروبي في دول مجلس التعاون بشكل كبير منذ عام 2017 ليبلغ 233.6 مليار دولار أمريكي في عام 2022. وأدعو هنا إلى تعزيز هذا التعاون وتعميقه من خلال الآليات القائمة، ووضع آليات أخرى جديدة، إذا لزم الأمر، بما يتماشى مع آفاق التعاون الواعدة بين الدول الخليجية والأوروبية.
الحضور الكرام،
كلنا ندرك حجم الأخطار والتحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي يواجهها العالم، ولا سيما منطقة الشرق الأوسط والقارة الأوروبية في ظل استمرار الحرب في غزة ولبنان والحرب بين روسيا وأوكرانيا.
وفي ظل حالة الاستقطاب التي يعيشها النظام الدولي تزداد أهمية تعزيز العلاقات بين الجانبين الخليجي والأوروبي. ونحن نأمل أن يسهم ذلك في فاعلية النظام الدولي في تعزيز مبادئ العدالة والشرعية الدولية بعيدًا عن سياسات ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين التي تقوض نظام الأمن الجماعي الذي توافق عليه المجتمع الدولي منذ الحرب العالمية الثانية، وأصبحت تهدد الاستقرار والأمن والسلم العالمي.
وفي هذا السياق فإننا نثمن الدور البارز الذي يقوم به الاتحاد الأوروبي في المحافظة على الأمن والسلم العالميين، والمساهمة الفعالة في الوصول إلى حلول سلمية للأزمات الدولية القائمة، وجهوده في دفع عجلة الاقتصاد العالمي وتشجيع جهود التنمية في مختلف دول العالم.
الحضور الكرام،
تحتل قضايا الشرق الأوسط مكانةً مهمةً بالنسبة لأوروبا، مثلما تحتل القضايا الأوروبية أهميةً خاصةً في بلداننا. فالمنطقتان في حالة تماس جغرافي مباشر وتواصل سياسي واقتصادي وثقافي لم ينقطع عبر التاريخ.
وتؤكد الحرب المدمرة التي شنتها إسرائيل - ولا تزال - على الأراضي الفلسطينية وعلى لبنان، وتحول فيها ارتكاب جرائم الحرب إلى روتين مرعب في غياب أي محاسبة دولية، على الحاجة الملحة إلى إيجاد تسوية شاملة للصراع بحيث تقوم على حل عادل للقضية الفلسطينية بناءً على قرارات الشرعية الدولية، بما يشمل الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة عام 1967 وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية إلى جانب دولة إسرائيل.
إننا نطالب بوقف إطلاق النار الفوري في غزة وفي لبنان، وبوقف استفزازات المستوطنين المدعومين من الجيش في الضفة الغربية المحتلة. وفي هذا السياق نؤكد في دولة قطر على مواصلة جهود الوساطة مع جمهورية مصر العربية والولايات المتحدة الأمريكية للتوصل إلى وقف إطلاق النار. ونحن في قطر نرى أن وقف إطلاق النار يفترض أن يشكل تمهيدًا لإجراء مفاوضات جادة تؤدي إلى حل شامل وعادل ومستدام للقضية الفلسطينية وفقًا لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
إننا نثمن دور تلك الدول الأوروبية التي اتخذت موقفًا من الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق المدنيين، وتدعم حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة. ونتطلع إلى دور أوروبي أكبر، في تعزيز الإجماع الدولي حول حل الدولتين، ونقله من القول إلى الفعل، عبر مسار موثوق لا رجعة عنه لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967.
وفي هذا الصدد نثمن دور الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية ونحث باقي الدول على الاعتراف بها.
وفي الشأن اللبناني نجدد رفضنا وإدانتنا للعدوان الإسرائيلي المستمر ضد الجمهورية اللبنانية الشقيقة والذي أودى بأرواح الآلاف من المدنيين الأبرياء، وبلغ حد الاعتداء السافر على قوات حفظ السلام الدولية اليونيفيل، في انتهاك صارخ للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وندعو المجتمع الدولي إلى العمل الجاد لوقف إطلاق النار، وتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1701.
وهو ما تؤيده الحكومة اللبنانية بوضوح وتلتزم بتنفيذه.
وفيما يتعلق بالأزمة الروسية الأوكرانية نؤكد على موقف مجلس التعاون الخليجي المبني على مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة الذي يكرس احترام سيادة الدول وسلامة أراضيها واستقلالها السياسي، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وعدم استخدام القوة أو التهديد بها، كما أن مجلس التعاون يدعم كافة جهود الوساطة والمبادرات والمساعي الحميدة للوصول إلى حل سياسي لهذه الأزمة.
نحن نتفهم القلق الأوروبي من موجات الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، ولدينا الرغبة في التعاون لمواجهتها؛ ونرى في الوقت ذاته أن الأصل هو أن نتعاون جميعًا ونستثمر في مواجهة الكوارث الكبرى التي تؤدي إلى النزوح وموجات الهجرة غير الشرعية مثل الحروب الأهلية والإبادة الجماعية والفقر.
وختاماً، نتطلع أن تكون هذه القمة نقطة تحول في مسيرة العلاقات التاريخية التي تجمع الجانبين الخليجي والأوروبي بما يعزز الأمن والاستقرار السياسي والاقتصادي لكلا الجانبين.
وأكرر الشكر لكل من ساهم في الإعداد لهذه القمة متمنيًا أن تحقق الأهداف المنشودة لصالح شعوبنا والإنسانية جمعاء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،