كلمة سموه في الجلسة الافتتاحية للقمة العربية الـ24
بسم الله الرحمن الرحيم
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
أصحاب المعالي والسعادة،
معالي الأمين العام لجامعة الدول العربية،
السيدات والسادة،
يسعدني باسم دولة قطر حكومة وشعباً أن أرحب بكم أجمل ترحيب متمنياً لكم طيب الإقامة بين أهلكم وإخوانكم في الدوحة. كما يطيب لي أن أتقدم بخالص الشكر لفخامة الأخ الرئيس جلال الطالباني رئيس جمهورية العراق الشقيق على ما بذله من جهود مقدرة طيلة رئاسته للدورة السابقة لهذه القمة، وأدعو الله العلي القدير أن يمن عليه بالشفاء العاجل.
ويسرني أن أعرب عن بالغ التقدير لمعالي الأخ نبيل العربي والعاملين بالأمانة العامة على الجهود التي بذلوها ويبذلونها لتعزيز دور الجامعة العربية.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
إن قضية فلسطين هي قضية العرب الأولى وهي مفتاح السلام والأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، فلا سلام إلا بحل هذه القضية حلاً عادلاً ودائماً وشاملاً يلبّي كامل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
ويتعيّن على إسرائيل أن تدرك أن القوة لا تصنع الأمن وأن السلام وحده هو الذي يحقق الأمن للجميع، وأن ممارساتها اللامشروعة أو الاعتداء على حرمة المسجد الأقصى المبارك وتهويد مدينة القدس الشرقية ومواصلة الاستيطان وإبقاء الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، كل هذه الممارسات والسياسات لن تقود سوى إلى إشاعة التوتر في المنطقة وزيادة اليأس والاحباط وسط أبناء الشعب الفلسطيني ووضع المزيد من العراقيل في طريق عملية السلام المتعثرة أصلاً.
واستشعاراً منا بخطورة استمرار هذا الوضع وانعكاساته، ومن أجل ترتيب البيت الفلسطيني، نقترح عقد قمة عربية مصغرة في القاهرة في أقرب فرصة ممكنة وبرئاسة جمهورية مصر العربية الشقيقة، ومشاركة من يرغب من الدول العربية إلى جانب قيادتي فتح وحماس، وتكون مهمة هذه القمة، التي ينبغي أن لا تنفضّ قبل الاتفاق على تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية وفقاً لخطوات عملية تنفيذية وجدول زمني محدد، وعلى أساس اتفاق القاهرة عام 2011 واتفاق الدوحة عام 2012، وهذا يشمل:
أولاً: تشكيل حكومة انتقالية من المستقلين للإشراف على الانتخابات التشريعية والرئاسية.
ثانياً: الاتفاق على موعد إجراء تلك الانتخابات ضمن فترة زمنية محددة، ومن يتخلف أو يعرقل فسيتحمل مسؤوليته أمام الله والوطن والتاريخ.
أيها الإخوة،
إن مسرى النبي محمد عليه الصلاة والسلام الذي بارك الله حوله وهو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين يواجه خطراً شديداً، يتطلّب منا عملاً جاداً لدرء هذا الخطر.
إن الحقوق الفلسطينية والعربية والإسلامية في القدس لا تقبل المساومة وعلى إسرائيل أن تعي هذه الحقيقة، كما على الدول العربية أن تبدأ تحركاً سريعاً وجاداً في هذا الشأن، وحيث أنه لم يتم وللأسف الشديد تنفيذ قرار قمة سرْت بشأن القدس فإنني أطالب أن توافق قمتكم الموقرة، إذا كنا جادين في الدفاع عن عروبة القدس، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بإنشاء صندوق لدعم القدس برأسمال قدره مليار دولار، على أن يتم التنفيذ فور انفضاض قمتكم هذه.
وإنني أعلن باسم دولة قطر مساهمتنا بربع مليار دولار على أن يُستكمل باقي المبلغ من قبل الدول العربية القادرة، وأقترح أن يتولى البنك الإسلامي للتنمية إدارة هذ الصندوق.
ولا يفوتني في هذا المجال أن أشير إلى الحصار الذي يعاني منه قطاع غزة والتأكيد على ضرورة التعاون والعمل من أجل تمكين إخوتنا هناك من التغلب عليه وتفعيل كل القرارات الخاصة بإعادة إعمار هذا القطاع.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
إننا نرحب بمشاركة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية والحكومة السورية المؤقتة في قمتنا هذه، ولا شك أنهم يستحقون هذا التمثيل لما اكتسبوه من شرعية شعبية في الداخل وتأييد واسع في الخارج، ولما يقومون به من دور تاريخي في قيادة الثورة والاستعداد لبناء سوريا الجديدة.
لقد اتخذ تطور الأوضاع الخطيرة والمأساوية في سوريا الشقيقة على مدار العامين الماضيين منحىً كارثياً، تولدت عنه مآسي وجرائم يندى لها الجبين. ومنذ فترة أصبح الصمت عنها وعن معاناة الشعب السوري داخل سوريا وفي مخيمات اللجوء بحد ذاته جريمة.
لقد بُني موقفنا منذ بداية الأزمة على ثوابت لم تحد عنها دولة قطر وهي:
أولاً: الوقف الفوري للقتل والعنف ضد المدنيين والحفاظ على وحدة سورية الشقيقة أرضاً وشعباً.
ثانياً: تحقيق إرادة الشعب السوري بشأن انتقال السلطة.
ثالثاً: دعم الجهود العربية والدولية والحلول السياسية التي تحقق إرادة الشعب السوري وتطلعاته المشروعة.
إن الشعب السوري، سليل الحضارات العريقة والثقافة الأصيلة والعروبة الصادقة، جديرٌ بحياةٍ حرّة كريمة آمنة، يتداول أبناؤه الحكم العادل، يوّحدهم الانتماء للوطن دون قمع أو إقصاء أو تهميش.
ولعلّ من المهم أن نؤكد دائماً حرصنا على وحدة سوريا، أرضاً وشعباً، وهي مسؤولية أخلاقية وتاريخية نتحملها جميعاً، ولا يجوز لأحد أن يتنصل منها. كما نؤكد على الوحدة الوطنية التي تستوعب الجميع ولا تستثني أحداً، وإقامة نظام لا عزل فيه ولا حجر ولا تمييز بين مواطنيه وبحيث يكون الوطن للجميع وبالجميع.
إنه لمن المؤسف أن يدخل النظام السوري في مواجهة عسكرية مع شعبه، ويرفض جميع نداءات الإصلاح الجدّي والمبادرات السياسية العربية حتى بلغت الكارثة حدّاً لم يعد معه الشعب السوري العزيز ليقبل بأقل من الانتقال السلمي للسلطة الذي نصّ عليه قرار جامعة الدول العربية في 22 يوليو 2012. وسوف يشهد التاريخ لمن وقف مع الشعب السوري في محنته، مثلما سيشهد على من خذله.
وإننا نكرّر ما طالبنا به مجلس الأمن بأن يقف مع الحق والعدالة، ويستجيب لصوت الضمير الإنساني ضد الظلم وقهر الشعوب، وأن يستصدر قراراً بالوقف الفوري لسفك الدماء في سوريا وتقديم المسؤولين عن الجرائم التي ترتكب بحق شعبها إلى العدالة الدولية.
ونحن من هنا نجدد التزامنا بالاستمرار في تأمين المساعدة الإنسانية للشعب السوري، ونحث كافة دول العالم على ذلك، ونؤكد على أهمية عقد مؤتمر دولي تحت رعاية الأمم المتحدة لإعادة إعمار سوريا فور عملية انتقال السلطة وفقاً لإرادة الشعب السوري. ويهمني أن أعيد التأكيد أننا مع الحل السياسي الذي يحقن الدماء ويصون الأرواح شريطة أن لا يعيد هذا الحل عقارب الساعة إلى الوراء.
وإنني لأرى، قريباً، سوريا العظيمة تنهض من الركام لتبني مجدها من جديد.
وكما قال الله في محكم كتابه (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ).
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
إن التحول التاريخي الذي تمر به أمتنا العربية حالياً يتطلب التعامل معه بفكر جديد وأساليب جديدة وبإرادة حقيقية للتغيير الذي يستلهم تطلعات الشعوب ويستجيب لطموحاتها المشروعة، وعلى أنظمة الحكم أن تدرك أنه لا بديل عن الإصلاح ولا مجال للقهر والكبت والاستبداد والفساد.
وعندما أقول الإصلاح فإنني أعني الإصلاح المدروس المستند إلى رؤية وفكر وإرادة وليس إصلاح الشعارات والوعود الزائفة. بالإصلاح تستقر أنظمة الحكم، وبالإصلاح تطمئن الشعوب إلى حاضرها ومستقبلها، وبالإصلاح ترتفع معدلات الإنتاج والتنمية ونوفر الحياة الكريمة الآمنة لدولنا وشعوبنا، وبالإصلاح نكسب احترام العالم ونصبح قوة فاعلة ومؤثرة فيه.
ومن منطلق المسؤولية الإنسانية والقومية، يتعين علينا الوقوف بجانب أشقائنا في دول الربيع العربي لاجتياز المرحلة الانتقالية الصعبة، التي تتبع أي ثورة شعبية. ولا يجوز أن يراهن أحد على حالة الفوضى وعدم الاستقرار في هذه الدول لتنفير الناس من التغيير. كما نتوجه إلى القوى السياسية والاجتماعية في هذه الدول أن تدرك أن إنجاح التجربة هو مسؤوليتها جميعاً، وأن هنالك حاجة ماسة أن يكون التنافس مسؤولاً وخاضعاً لضرورة إنجاح التجربة. هذه مسؤولية وطنية، وهي أيضا مسؤولية عربية.
إن طريق الإصلاح والانتقال السياسي طريق طويل وشاق، والخوف من العقبات والنكسات التي واجهت وتواجه الأنظمة التي تخوض التغيير غير مبرر وسابق لأوانه.
وإذا كان الدعم الاقتصادي العربي مطلوباً لبعض هذه الدول فإنه أكثر إلحاحاً لدول الثورات التي تمر اليوم بمرحلة انتقالية تقتضي الدعم وبالأخص جمهورية مصر العربية الشقيقة بحكم كثافتها السكانية وأوضاعها الاقتصادية، ولا يمكن لأحد أن ينسى التضحيات التي قدمتها مصر ودورها الكبير تجاه القضايا العربية وأشقائها العرب، لذا فإن تقديم الدعم لجمهورية مصر العربية الشقيقة في هذه الظروف واجب علينا جميعاً.
كما إننا نتابع التطورات الإيجابية التي يشهدها الصومال بكثير من الأمل ونؤكد دعمنا ومساندتنا لهذا البلد الشقيق حتى يجتاز هذه المحنة التي يتعرض لها.
إن جمهورية جزر القمر هي إحدى الدول العربية الواعدة والتي تحتاج منا إلى المزيد من الاهتمام والدعم الاقتصادي حتى نجعلها نموذجاً لما يمكن أن يحققه التعاون العربي في مساندة الدولة العربية التي هي في حاجة إلى دعم أشقائها، ولا شك أن ما تقوم به اللجنة العربية للتنمية والاستثمار في جزر القمر يجد التقدير ويتطلب مزيداً من التشجيع.
وبشأن دارفور فإننا نلاحظ وبكثير من الارتياح التحسن الواضح الذي يشهده الإقليم منذ توقيع وثيقة الدوحة للسلام وقيام السلطة الإقليمية، رغم بعض التفلتات الأمنية في مناطق محدودة من الإقليم وما يحدث بين فترة وأخرى من نزاعات قبلية.
ونعتقد أن المؤتمر الدولي لإعادة الإعمار والتنمية في دارفور والذي ينعقد في الدوحة يومي 7 و8 أبريل القادم سينقل دارفور إلى مرحلة جديدة من التنمية والاستقرار والسلام.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
إن ما نشهده اليوم من تطورات اقتصادية متسارعة يدفعنا إلى ترسيخ وتفعيل التعاون فيما بيننا لدعم جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية في بلداننا العربية، لما ينطوي عليه ذلك التعاون من أبعاد استراتيجية في ظل التوجهات العالمية لقيام تكتلات اقتصادية كبرى.
ولا شك أن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لشعوبنا العربية هو الطريق الأمثل والركيزة الأساسية لتحقيق النهضة لأمتنا العربية في الحاضر والمستقبل، لذلك فإن التعاون والتكامل العربي يجب أن يكون محل إجماع وأن لا يتأثر بالخلافات السياسية العابرة.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
إننا جميعاً نتطلّع لحاضر ومستقبل أفضل لشعوبنا، ونؤمن بأن الطريق إلى ذلك هو إصلاح وتطوير وتحديث مجتمعاتنا. ومن ذات المنطلق فإننا ندعم تطوير الجامعة العربية بما يتفق والمرحلة الراهنة لمحيطنا الإقليمي والدولي، وبما يعزز قدراتها في التعامل مع مقتضيات هذه المرحلة والحفاظ في الوقت ذاته على المبادئ والأهداف التي تأسست الجامعة عليها.
على أن عملية إصلاح وتطوير الجامعة ينبغي أن تستلهم في المقام الأول تطلّعات الشعوب العربية وتلبية مطالبها المشروعة في الحرية والعدالة الاجتماعية وفي التضامن العربي الحقيقي.
وتتطلّب عملية الإصلاح تحديد أولويات واضحة في خطة عمل الجامعة والتوصل إلى برامج تنفيذية محددة لتحقيق هذه الأولويات بمشاركة جميع الدول الأعضاء، والبعد عن البيروقراطية وأساليب العمل القديمة واستحداث الآليات التي تعزز عمل الجامعة وإعلاء معايير الكفاءة والشفافية في اختيار الكادر الوظيفي المؤهل للعمل في الجامعة، وأهم من ذلك كله تثبيت مبدأ الأغلبية بدلاً من الإجماع في اتخاذ القرارات وذلك حتى تتحرر قرارات الجامعة من هذا القيد الذي يشل فاعليتها.
وتقديراً للجهود الكبيرة التي يبذلها موظفو الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في أداء المهام الموكلة لهم ورغبة في توفير الحياة الكريمة بعد سنوات العمر الطويلة التي قضوها في خدمة الجامعة، فإننا نرى أن الأوان قد حان لإنشاء صندوق معاشات لهم، ونعلن استعداد دولة قطر للمساهمة في تأسيس هذا الصندوق بعشرة ملايين دولار.
إن التحديّات التي تواجهنا والمسؤولية الملقاة على عاتقنا جسيمة وكبيرة، وتتطلب منا العمل على قدر هذه المسؤولية، ومواجهة التحديّات لتحقيق نهضة أمتنا العربية عبر تعزيز روح التآخي والتضامن التي تعد أقوى أسلحة هذه الأمة، كما تتطلب تحقيق التعاون والتكامل ودعم وتطوير العمل العربي المشترك، والنأي عن كلِّ ما لا يخدم مصالحنا القومية، وأن نرى الخلافات القائمة في حجمها الصحيح دائماً، وأن نترفع عنها تماماً وأن نعطي المصلحة العربية العليا أولوية على ما عداها، وأن نجعل من الحوار الصريح الأسلوب الأمثل لحل خلافاتنا، فإن استمرار هذه الخلافات وتضخيمها لن يحقق سوى مصلحة من يتربص بهذه الأمة العظيمة.
ختاماً، أكرر الترحيب بكم في الدوحة متمنياً أن تكلل جهودنا بالسداد والتوفيق وأن تحقق قراراتنا ومساعينا الخير لأمتنا العربية.
والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.