خطاب سموه بمناسبة تسليم مقاليد الحكم في البلاد لسمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني
أيها الشعب القطري الكريم، أيها المواطنون والمواطنات، أبناء الوطن،
أتحدث إليكم اليوم، ونحن نستعد لدخول عهد جديد في تاريخ وطننا. وقد أردت أن أخاطبكم أولاً، إذ أنتم أصحاب هذه الأرض الطاهرة وحماتها وبناة نهضتها وصانعو مستقبلها.
لقد كان هذا أيها الإخوة والأخوات هو الإيمان الذي عمر قلبي، واستقر في وجداني، منذ أن ترعرعت على أرض قطر، وبدأت أتولى المسؤوليات في خدمة الوطن وأهله. والله يعلم أني ما أردت السلطة غاية في ذاتها، ولا سعيت إليها من دوافع شخصية، بل هي مصلحة الوطن أملت علينا أن نعبر به إلى مرحلة جديدة. ولقد حان الوقت أن نفتح صفحة جديدة أخرى في مسيرة وطننا يتولى فيها جيل جديد المسؤولية بطاقاتهم المتوثبة وأفكارهم الخلاقة. فقد أثبت شبابنا في السنوات الماضية، أنهم أهل عزم وعزيمة، يستوعبون روح عصرهم ويدركون ضروراته إدراكاً عميقاً، ويواكبون كل جديد فيه، بل ويساهمون بفكرهم الأصيل في التجديد والإبداع. وبفضل ذلك يصدق في واقعنا هذا قول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه "علموا أولادكم غير ما علمتم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم".
أنتم يا أبناءنا وبناتنا ذخر الوطن، بناة حاضره وحاملو لواء مستقبله. وقد كنا منذ البداية نتوسم فيكم الخير، ونعقد عليكم الأمل. وقد أثبتم كذلك بهممكم العالية، وما قدمتموه للوطن من إنجازات، أنكم أهل للقيادة وموضع للثقة.
أبناء قطر،
إني لأرجو أن أكون قد وفقت في القيام بالمسؤولية وحملها بما يرضي الله أولاً، وبما يوازي الأمانة ويستحق الثقة. ففي ما أحسنت وأصبت فبتوفيق من الله وفي ما أخطأت فمن نفسي، وأرجو أن يتعلم منه من يتولون الأمر بعدي.
وإنني اليوم أخاطبكم كي أعلن أنني أسلم مقاليد الحكم للشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وأنا على قناعة تامة أنه أهل للمسؤولية، جدير بالثقة وقادر على حمل الأمانة وتأدية الرسالة. وإنني على يقين راسخ بأنكم ستكونون خير سند له كما كنتم معي، فما بين الحاكم وشعبه في وطننا من عهود الوفاء والمحبة والود عميق وأصيل عمق وأصالة تراثنا وتاريخنا المجيد.
وإنني على يقين أيضاً، أن تميم سيضع مصلحة الوطن وخير أهله نصب عينيه وستكون سعادة الإنسان القطري غايته الأولى على الدوام. فها هو المستقبل يا أبناء الوطن أمامكم، إذ تنتقلون إلى عهد جديد ترفع الراية فيه قيادة شابة، تضع طموحات الأجيال القادمة نصب عينها، وتعمل دون كلل أو ملل من أجل تحقيقها، مستعينة في ذلك بالله أولاً، وبأبناء الوطن، وبما اكتسبته من خبرة ودراية في الحكم وإدارة شؤون البلاد ومعرفة عميقة بالواقع في منطقتنا وعالمنا العربي بالذات.
ومع ثقتي بأنكم أهل للمسؤولية، فإنني أوصيكم، بعد تقوى الله بالعلم والعمل. فليكن العلم هو النبراس الذي ينير طريقكم، ويعينكم في صناعة مستقبل الوطن على خير وجه، فبالعلم تتخرج الأجيال القادرة على تحمل المسؤولية، وبه تسلك الطريق القويم.
وليكن العمل الجاد المخلص ديدنكم في خدمة وطنكم بعيداً عن الاتكالية والتراخي والركون إلى الواقع، فلا تبنى الأوطان لأجيال الحاضر والمستقبل، إلا بجهد أبنائها وسهرهم، ولا تصان من الأطماع وتحمى من المخاطر إلا بعرقهم وتضحياتهم. ومع ثقتي بإدراككم لانتمائكم وهويتكم العربية المسلمة، فإنني أوصيكم بالمحافظة على قيمنا الثقافية والحضارية النابعة من ديننا وعروبتنا وانتماءاتنا الإنسانية، فنحن نؤمن بأن الوطن العربي جسد واحد، يصلح الواحد من أقطاره بما يصلح به الجميع.
وأوصيكم بالثبات على الحق والاستقامة على طريقه مهما تبدلت الأيام والأحوال، وصدق الله العظيم إذ قال "وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا". وصدق رسوله الكريم إذ قال "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك".
أيها الإخوة والأخوات،
إنني إذ أتحدث إليكم اليوم، لأشكر أهل قطر الذين كانوا معي طوال المسيرة، وساندوني وكانوا خير عون لي في الظروف الصعبة، وساعدوني في مواجهة التحديات. وكان هدفي، كل هدفي، أن ينعموا بالرفاهية والخير والاستقرار والأمن. وسيظل قلبي نابضاً بحب هذه الأرض وأهلها، فهي أول ما وقعت عليه العين، وأول ما التصق به الخيال.
كما أتوجه بالشكر والتقدير، لكل الذين عملوا معي من قرب، فقد كانوا خير سند ومعين في الشدة وفي الرخاء.
وأشكر كذلك قواتنا المسلحة وجيشنا الأبي على الدور المشرف الذي قام به أثناء قيادتي له.
ولن أنسى ما حييت إخلاصكم جميعاً يا أبناء وطني وأهلي، راجياً من الله عز وجل أن يحفظ قطر ويديم عليها الأمن والأستقرار وأن يسبغ على أهلها نعمه ظاهرة وباطنة، إنه نعم المولى ونعم المجيـب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.