كلمة سموه في المنتدى الخامس للأمم المتحدة لتحالف الحضارات
الرئيس الدكتور هاينز فيشر،
أصحاب الفخامة والسمو والمعالي،
معالي الأمين العام للأمم المتحدة،
سعادة الممثل السامي للأمم المتحدة لتحالف الحضارات،
السيدات والسادة،
أود في البداية أن أعرب عن شكري وامتناني لفخامة الرئيس هاينز فيشر لدعوته الكريمة لي للمشاركة في هذا المنتدى الهام وعلى التنظيم والإعداد الجيد لإنجاحه وحسن الاستقبال وكرم الوفادة.
ويسرني أن أُعرب عن بالغ تقديري لفخامة السيد/ جورج سامبايو على الجهود التي بذلها لتعزيز دور التحالف. كما يطيب لي أن أهنئ سعادة الأخ ناصر بن عبدالعزيز النصر على توليه منصب الممثل السامي لهذا التحالف الهام.
يكتسب هذا المنتدى أهمية كبرى في الوقت الراهن في ظل الظروف التي يشهدها العالم والتي زادت فيها حدَّة الانقسامات نتيجة لمظاهر التوتر والنزاعات وعدم الاستقرار في مناطق عديدة من العالم.
إن العالم يموج بانقسامات سياسية وأيديولوجية، تتطلب من المجتمع الدولي مواصلة الجهود لإزالة أسباب النزاعات ومخاطر الصراع، والعمل الجاد والدؤوب لنشر قيم ثقافة التفاهم والتعايش، التي يزدهر في أجوائها الحوار والتحالف بين الحضارات وتنمية العلاقات السوية بين الأمم والشعوب.
ولا شك أن الصراع والنزاع من سمات سياسات القوة والسيطرة عبر التاريخ، وكذلك ستبقى، ولكن امتحان المجتمع الدولي هو في مدى إمكانية فرض الحوار والتفاوض أساساً لفض الصراعات، وفي البحث عن المشتركات التي تشكل هموماً وتحديات للإنسانية جمعاء، وكذلك في التصدي لمن يُلبِس الصراعات والنزاعات لباس الحضارات، وكأننا إزاء صراع بين الحضارات.
ولذلك علينا أن نؤسس عبر الإرادة السياسية والشعبية لبناء مجتمع إنساني عالمي يقوم على المشترك، ويحترم الخصوصيات وطبيعة الثقافات والديانات ويسود فيه القانون الدولي على الجميع، وتنتفي فيه ازدواجية المعايير والانتقائية في التعامل مع الدول والشعوب.
كذلك ينبغي السعي الحثيث نحو إيجاد حلول عادلة للمشاكل العالمية عبر احترام جاد لما استقر في وجدان البشرية من قيم وأعراف ومبادئ تعزز البناء، وتحقيق الأمن والسلام والازدهار والتنمية المستدامة والعادلة لجميع الأمم والشعوب.
وإذا كان الهدف الأسمى لنا جميعاً هو تحقيق السلام والأمن والاستقرار والتنمية فمن المؤسف والمحزن أن يسود العنف في مناطق عديدة من العالم وما يحدث في سوريا وفلسطين من أعمال عنف وانتهاكات صارخة لحقوق شعبي البلدين، يشكل وصمة عار في جبين الإنسانية ينبغي على المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته والتصدي لها والوقوف بجانب الشعبين السوري والفلسطيني لنيل حقوقهما المشروعة. فما زالت قوى رئيسية في العالم تقف موقفاً غير عادل يمنع حل آخر قضية استعمارية في التاريخ، وهي قضية فلسطين التي تتفاقم وتشكل مصدراً دائماً للتوتر في منطقتنا، كما تشكل مصدراً لاعتقاد الناس أن العنصرية ما زالت سائدة في المجتمع الدولي، ولتشكيك الناس بنزاهة تنفيذ القانون الدولي. ومؤخراً نشهد موقفاً داعماً من قبل دول مركزية لعملية قتل شعب (جنوسايد) من قبل نظام فاقد للشرعية في سوريا، ونرى دولاً أخرى تدين ذلك لفظياً فقط.
السيد الرئيس،
لقد شهدت الفترة السابقة تزايد مظاهر الفهم الخاطئ للدين الإسلامي الحنيف والحضارة الإسلامية إضافة إلى ما يتعرض له المسلمون من مظاهر التهميش والتمييز والكراهية في العديد من مناطق المعمورة.
إن هذه المظاهر وغيرها تؤكد الحاجة الملحة إلى مبادرة تحالف الحضارات لبناء آفاق تعاون متعددة بين مختلف الأمم والشعوب ومعالجة التوترات والنزاعات والقضاء على كل ما من شأنه أن يزيد في توسيع الهوة بين الأمم، ولا شك أن تعقيدات إيجاد التوازن بين حرية التعبير واحترام وحماية حقوق الآخرين ومقدساتهم ومعتقداتهم ومشاعرهم, وعدم تجريم الممارسات العنصرية، كل ذلك يرسّخ خرافة صراع الحضارات، ويساعد على تجذر خطاب الكراهية في الوعي الجماعي، ويوقد جذوة النزاعات، ويقوّض الجهود المبذولة لنشر مبادئ التقارب والتعايش، وتشجيع التنوع الثقافي بين الشعوب.
إن تفهم الآخرين واحترام ثقافاتهم ومعتقداتهم ونبذ التطرف والحقد والكراهية والعنصرية هو السبيل الأنجع لسد الذرائع أمام من يحاولون استغلال تلك المظاهر للحض على استخدام العنف والإرهاب.
وفي هذا السياق فإن مسؤولية وسائل الإعلام المتعاظمة في خلق الصورة الصحيحة عن الآخر مع الابتعاد عن الفرضيات الجاهزة والأحكام المسبقة على الآخر والنظر إلى حقائق الأمور، والحكم من خلالها تجعل نجاح الحوار بين الحضارات مشروطاً إلى حد بعيد بتوفر هذا المستوى من العقلانية والنزاهة في وسائل الإعلام، التي ينبغي أن تأخذ في الاعتبار أن لديها رسالة ومسؤولية إنسانية، وأنه حتى في ظل هيمنة قوانين السوق تتجاوز رسالتها الإثارة، وتأمين نسب المشاهدة، وأن كتابها وصحفييها قد يحملون آراء مسبقة لأنهم نتاج تربية وتنشئة معينة، وأن حرية التعبير ضرورية ولكنها لا تكفي، ويجب أن تترافق مع المسؤولية. وأنا أتحدث هنا عن المسؤولية الأخلاقية والإنسانية، وليس السياسية.
لذا فإننا نؤكد على أهمية العمل الدؤوب على تصحيح المفاهيم الخاطئة والتصدي لكل التيارات الهدامة التي تعمل على نشر الكراهية والتطرف والعنف وسد آفاق الحوار والتحالف بين الحضارات. والامتحان الرئيس في هذا هو ليس في ما نقوله في المؤتمرات بل في التصدي لمثل هذه الأفكار الهدامة داخلياً، حين تتخذ شكل ديماغوجية سياسية تحرج الحكام، أو حين يتناقض منعها مع حرية التعبير فنحتاج إلى وسائل تثقيفية، أو حتى إيجاد وسائل قانونية جديدة للتصدي لها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.