كلمة سموه في غزة
أيها الإخوة والأخوات،
أيها الأهل والأحبة في قطاع غزة وفي فلسطين،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
إنها والله للحظة تمتزج فيها المشاعر أن أقف بينكم اليوم على ثرى غزة الحرة الصامدة والمحاصرة في آن واحد. فهذه المدينة كانت عبر التاريخ جسراً يربط بين جناحي الوطن العربي ويعبر منه العرب من أهل الجزيرة والعراق وبلاد الشام إلى ديار أشقائهم في مصر وحوض النيل وشمال أفريقيا. وإنها والله للحظة لابد للعربي أن يشعر معها اليوم بالحزن إذ لم يعد هذا الجسر الواصل بين بلاد العرب قائماً وفاعلاً كما كان، إذ إن الظلم التاريخي الذي حل بالأشقاء في فلسطين منذ ستة عقود ونيف ما زال نكبة إنسانية لم يستطع المجتمع الدولي أن يضع حداً لها حتى الآن.
أيها الإخوة،
ما تزال القضية الفلسطينية بكل تشعباتها وهمومها، الجرح النازف منذ عقود في الجسد العربي. فإسرائيل تمعن كل يوم في تغيير وجه الأرض الفلسطينية عبر ممارسات الاستيطان والتهويد في الضفة الغربية المحتلة وفي القدس بصورة خاصة، بسبب عجز المحيط العربي من حولها عن فعل المواجهة، نتيجة لفرقة أهله وتشتت مواقفهم، وبسبب عجز المجتمع الدولي عن حماية الشرعية الدولية عبر قرارات ملزمة أقرتها الأمم المتحدة، وفي أحيان كثيرة بسبب انحياز الدول الكبرى لجانب إسرائيل واتباع سياسة الكيل المزدوج وفق ما يخدم مصالحها، ويحرم الفلسطينيين من حقهم في العودة وإقامة دولتهم المستقلة على ترابها الوطني.
ولعل قطاع غزة هو اليوم الأكثر وجعاً ومعاناة، إذ ما زال منذ العدوان الغاشم الذي شنته عليه إسرائيل عام 2008 يرزح تحت الحصار الخانق ليزيد ذلك من ألم المواطنين الفلسطينيين، الذين دمر العدوان بيوتهم ومدارسهم ومؤسساتهم الصحية ووسائل عيشهم وألحق ضرراً فادحاً بالبنية الهيكلية للقطاع مع ضعفها أصلاً.
أيها الإخوة،
لقد كان صمودكم في وجه العدوان مثار عزة لكل العرب، ونحن نشاهدكم تدفعون الغزاة بصدوركم العارية وجباهكم المرفوعة، لا تخيفكم طائراته ولا أسلحتها المحرمة دولياً ولا أرتال دباباته الثقيلة.
لقد كنا معكم على الدوام ولو بأضعف الإيمان، قبل العدوان وبعده. وكنا حريصين على أن يكون تواصلنا مع أهلنا في فلسطين مباشراً من فوق أرضهم، ففتحنا سفارة لدولة قطر في غزة بعد إقامة السلطة الفلسطينية في الضفة والقطاع. وحين وقع العدوان على القطاع آواخر عام 2008 دعونا لعقد قمة غزة العربية لعلنا نستطيع أن ندفع عن أهلنا بعض العدوان ونقدم لهم ما نستطيع.
غير أن صمود غزة كان هو العامل الحاسم وكان درساً عرّى التخاذل بصمود المخذولين، ولقن الواهمين عبرة بثبات الموقنين بالحق، وكشف زيف دعاة التسليم بالواقع العربي، بما فيه من بؤس وضعف. وإنني على يقين أن ما شهدته الجماهير العربية وهي تتابع فصول صمود غزة أثناء العدوان، كان من أهم الدواعي التي أثارت رياح الربيع العربي، التي تحمل لنا هذه الأيام بشائر غد أكثر إشراقاً وخيراً بإذن الله. فصمود أهل فلسطين وتضحياتهم ستظل خير حافز للشعوب العربية كي تسترد كرامتها المهدورة وتستعيد حقوقها في الحرية والحياة الكريمة والتنمية والازدهار.
أيها الإخوة،
لا أريد اليوم وأنا أقف بينكم على جزء حر من أرض فلسطين، أن أعظكم أو أعطيكم دروساً في توحيد المواقف، ولكن الواقع الفلسطيني الراهن بما يعتريه من انقسام بين الضفة الغربية وغزة، يحتم عليكم أنتم الفلسطينيين أنفسكم أن تتفكروا في واقعكم وأنتم تدركون بكل تأكيد، أن انقسامكم هو مصدر الضرر الأكبر لقضيتكم وقضية العرب جميعاً. خاصة وأن رياح التغيير القوية التي تعصف بالوطن العربي هذه الأيام ربما همشت الاهتمام بالقضية الفلسطينية إعلامياً وسياسياً.
فقد آن الأوان كي يطوي الفلسطينيون صفحة الخلاف، ويفتحوا فصلاً واسعاً للمصالحة والاتفاق وفق الأسس التي اتفقوا عليها في الدوحة والقاهرة، بجهود صادقة من الرئيس الفلسطيني الأخ محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس الأخ خالد مشعل. فإن لم يحصن أهل الدار دارهم أولاً بأنفسهم فلن تكون منيعة بأيدي الآخرين.
ونحن نعلم أن الإخوة في فلسطين يدركون هذه الحقيقة التي تحتم على كل الأطراف العاملة في الساحة الفلسطينية، أن تجعل العمل من أجل تكريس عدالة القضية الفلسطينية شغلها الشاغل وهدفها الأسمى الذي يتجاوز كل هدف فئوي ضيق. فمن منا لم يعد يؤمن إيماناً يقينياً بأن الفرقة بين الفلسطينيين أولاً والعرب ثانياً، كانت أشد ضرراً بالقضية الفلسطينية من العدوان الإسرائيلي المتكرر.
فلا هناك اليوم مفاوضات سلام، ولا هناك كما يبدو استراتيجية واضحة للمقاومة والتحرير. فعلام الانقسام ولم لا يجلس الفلسطينيون معاً، ويوحدون مواقفهم ويضعون العالم أمام استحقاق طال انتظاره: إما سلام عادل تقبل به إسرائيل أو تُجبر عليه.
أيها الإخوة،
إن وقوف أشقائكم العرب معكم في كل الظروف والأوقات، ليس معروفاً يسدى أو جميلاً يحفظ، بل هو الحق والواجب ونحن في قطر كنا وسنكون من أول المبادرين ولن نضن على أهلنا في غزة وفي فلسطين بما نستطيع من عون. انطلاقاً من واجبنا القومي والإنساني، فمساعدة أهل غزة وفلسطين ليست منة ولا هي وعود بل هي واجب من الأخ نحو أخيه.
ومن هنا فإن إعادة إعمار غزة ينبغي أن تعطى أولوية بتنفيذ القرارات العربية والدولية التي اتخذت إثر العدوان، وما تزال تنتظر التنفيذ بعد مضي خمس سنوات. ولقد تعهدت دول عربية وغير عربية إثر العدوان بتقديم مساعدات لغزة لرفع بعض المعاناة عن أشقائنا الذين أدمت الحرب أجسادهم ومازال الحصار يضيق عليهم سبل الحياة الكريمة ويحرمهم من أبسط حقوقهم الإنسانية. ومازال أهل غزة ينتظرون أن يفي من قطعوا تلك التعهدات بوعودهم كي يتسنى إعادة إعمار القطاع، وتترفع بعض المعاناة عن أهله الذين آثروا الصمود في وجه آلة الحرب الجبارة وتحمل ويلاتها على التسليم والرضوخ لصلف الاحتلال وغطرسته حتى وإن خذلهم من خذلهم من ذوي القربى ومن أدعياء الديمقراطية والمتشدقين بحقوق الإنسان.
أيها الإخوة والأحبة في فلسطين وغزة،
إن وجودنا اليوم على أرض فلسطين في غزة العزة لأمر مختلف: فمن هنا يبدو الحلم الذي نهلنا مفرداته منذ الصغر أقرب كلما طرفت العين في الأفق صوب المتوسط أو كلما تذكر المرء قوافل الأجداد تعبر من غزة بين حنايا القلب العربي الواحد، الذي تتوسطه فلسطين في الجغرافيا وفي التاريخ على حد سواء.
وإذ نلتقي اليوم على أرض فلسطين، فإننا على يقين بأن الأماني والأحلام لا تبرح وجودنا على الدوام، في أن تنال فلسطين وأهلها الصامدون الصابرون، الحرية والاستقلال، وستصبح حقيقة عما قريب بإذن الله تعالى.
واليوم أيضاً وجب الشكر لشعب مصر العظيم وثورته المجيدة ولفخامة الرئيس الدكتور محمد مرسي الذي لولاهم لم نكن بينكم اليوم.
ولكم جميعاً يا أهلنا في فلسطين تحية الرجال التي تستحقون.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.