سمو الأمير يفتتح دور الانعقاد الثامن والأربعين لمجلس الشورى
تفضل حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، فشمل برعايته الكريمة افتتاح دور الانعقاد العادي الثامن والأربعين لمجلس الشورى، بمقر المجلس صباح اليوم.
حضر الافتتاح صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، كما حضره سمو الشيخ جاسم بن حمد آل ثاني الممثل الشخصي للأمير وسمو الشيخ عبدالله بن خليفة ال ثاني وسمو الشيخ محمد بن خليفة ال ثاني وسعادة الشيخ جاسم بن خليفة آل ثاني. وحضر الافتتاح أيضا معالي الشيخ عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، وعدد من أصحاب السعادة الشيوخ والوزراء وأعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين لدى الدولة والأعيان.
وألقى سمو أمير البلاد المفدى "حفظه الله" خطابا بهذه المناسبة، وفيما يلي نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم
الإخوة والأخوات أعضاء مجلس الشورى،
أهنئكم بمناسبة افتتاح دور الانعقاد الجديد لمجلسكم الموقر متمنياً لكم كل التوفيق والسداد في أداء مهامكم الجليلة.
إننا نقدر لكم مساهماتكم القيّمة في إثراء العمل الوطني، ليس في المجال التشريعي فحسب، بل أيضا في المشاركة بالرأي المستنير في متابعة الأداء الحكومي، وخطط التنمية المختلفة.
وكما تعلمون، فإننا، في إطار استكمال المتطلبات الدستورية لانتخاب أعضاء مجلس الشورى وممارسته لاختصاصاته التشريعية بموجب الدستور الدائم لدولة قطر، أصدرنا القرار الأميري رقم (27) لسنة 2019 بتمديد فترة عمل مجلسكم الموقر سنتين ميلاديتين تبدأ من أول يوليو 2019 وحتى 30 يونيو 2021، والقرار الأميري رقم (47) لسنة 2019 بإنشاء وتشكيل اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشورى وتحديد اختصاصاتها، برئاسة رئيس مجلس الوزراء، لتشرف على التحضير لانتخابات مجلس الشورى, وإعداد مشروعات القوانين اللازمة، واقتراح البرنامج الزمني لعملية انتخاب أعضاء المجلس. وسوف يعلن موعد الانتخابات حال انتهائها من عملها.
وقد روعي في تحديد مدة السنتين أن الإجراءات الدستورية المطلوبة تتضمن إصدار العديد من القوانين والأدوات التشريعية الهامة، ومنها قانون نظام الانتخاب الذي يحدد شروط وإجراءات الترشيح والانتخاب، ومرسوم بتحديد الدوائر الانتخابية ومناطق كل منها، وغيرها من الإجراءات الإدارية الضرورية. وسنعرض على حضراتكم بطبيعة الحال القوانين المزمع إصدارها للموافقة عليها وفقاً لأحكام الدستور.
الإخوة والأخوات،
للسنة الثالثة على التوالي، يستمر الحصار الجائر، المفروض على قطر، بممارساته غير المشروعة، رغم تهاوي كل الادعاءات التي سيقت لتبريره.
ويعود الفضل في نجاحنا، بعون الله، في احتواء معظم آثاره السلبية، إلى نهجنا الهادئ والحازم في إدارة الأزمة، وكشف كافة الحقائق المتعلقة بها للعالم أجمع، وتمسكنا باستقلالية قرارنا السياسي، في مواجهة محاولة فرض الوصاية علينا، وكذلك تعزيز علاقاتنا الثنائية مع الدول الصديقة والحليفة.
ومنذ بدء الأزمة أعربنا عن استعدادنا للحوار لحل الخلافات بين دول مجلس التعاون وفي إطار ميثاقه على أسس أربعة: الاحترام المتبادل، والمصالح المشتركة، وعدم الإملاء في السياسة الخارجية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
وقد وقف الشعب القطري بشهامته المعروفة وقفة رجل واحد دفاعا عن سيادة وطنه ومبادئه، فهو يدرك أن التفريط باستقلالية القرار يقود إلى التفريط بالوطن نفسه وثرواته ومقدراته.
ومضت مسيرتنا الوطنية، بخطوات واثقة في تنفيذ البرامج التنموية على النحو المرسوم لها. ونما الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية في قطر خلال عام 2018 بنحو 15% والناتج المحلي غير الهيدروكربوني بنحو 9%.
وزاد من أهمية ذلك أن الحكومة كانت تسعى هذا العام إلى إعادة التوازن في الموازنة العامة للدولة، فعملت على تخفيض النفقات العامة، دون التأثير على المشاريع ذات الأولوية.
حضرات الإخوة والأخوات،
لقد ذكرت في كلمتي أمام مجلسكم الموقر، بعد الحصار الجائر الذي فرض علينا، أن هذا الحصار سيعزز من صمودنا وسيدفعنا إلى التعامل الأفضل مع الأوضاع الجديدة التي نجمت عنه. وهذا ما حصل فعلا.
وسأركز فيما يلي على أهم المبادرات والمشاريع والسياسات التي اتبعناها، والتي تبيّن أننا تخطينا آثار الحصار السلبية، وأننا نسير بخطى ثابتة نحو تحقيق أهداف رؤية قطر الوطنية 2030.
وقد استفدنا عند إعداد استراتيجية التنمية الوطنية الثانية من تجربة الاستراتيجية الأولى، وراعينا الظرف الإقليمي الجديد، وما أحدثه التغير الكبير في سوق الطاقة نتيجة اكتشاف النفط الصخري والغاز الصخري.
وتشير التقارير إلى تقدم ملحوظ في مجال التنويع الاقتصادي، وتشجيع القطاع الخاص، وزيادة القدرات الإنتاجية لمحطات التوليد الكهربائي، وتأسيس منظومة إنتاج زراعي وحيواني وسمكي متطورة.
التقدم ملحوظ، ولكن ما زال أمامنا الكثير لننجزه في مجالات التنويع الاقتصادي والأمن الغذائي والدوائي، والطاقة المتجددة، وتنشيط القطاع الخاص وتقليص البيروقراطية التي تعيق التقدم والتطور.
وبالنسبة للأدوات التشريعية اللازمة لتحقيق الإصلاحات، صدر في بداية هذا العام قانون هام يهدف إلى إعادة تنظيم الاستثمارات الأجنبية في النشاط الاقتصادي، بتقديم التسهيلات والحوافز لها. ويجب أن يدخل تبسيط الإجراءات البيروقراطية ضمن ذلك.
كما صدر مرسوم بقانون بتنظيم المخزون من السلع الغذائية والاستراتيجية، وقانون بشأن دعم تنافسية المنتجات الوطنية، ومكافحة الممارسات التجارية الضارة بها. فعلينا حماية ما حققته الصناعة المحلية من إنتاج وطني مع مراقبة جودته وتحسينها في الوقت ذاته. كما أننا في سبيلنا إلى إصدار قوانين أخرى بشأن الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص.
ونتيجة لجهود خفض النفقات مع زيادة الكفاءة تحول العجز الكبير في الموازنة عام 2017 إلى فائض. وبالرغم من تخفيض النفقات فإن الموازنة العامة للدولة تواصل الاهتمام والتركيز على القطاعات ذات الأولوية، وخاصة التعليم والصحة، والاستثمار فـي البنية التحتية.
وقد تمكنّا من استرجاع احتياطات الدولة وإيصالها إلى مستويات أعلى مما كانت عليه قبل الحصار. كما حافظ الريال القطري على استقراره وقيمته، بالرغم من المحاولات المتعددة والممنهجة للتسبب بانهياره.
وحافظت قطر على تصنيفها الائتماني القوي من قبل وكالات التصنيف العالمية. كما أوفينا بالتزاماتنا في مجال مكافحة غسيل الأموال وتمويل الارهاب، وصدر قانون بهذا الخصوص في هذا العام.
وشهد العام الماضي وهذا العام تطوراً في قطاع الطاقة سيعزز من متانة الاقتصاد القطري، ومن مكانة قطر في سوق الغاز الطبيعي العالمي. ونحن على الطريق الصحيح لتحقيق قفزة نوعية وكمية في إنتاج الغاز المسال وتصديره.
كما استمرت قطر للبترول في سيرها باتجاه العالمية، وأصبحت تشارك في الاستكشاف والإنتاج في عشر دول من أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا، منها دولتان عربيتان.
وستظل الطاقة مورداً رئيسياً للثروة في قطر، ومصدراً لتمويل المشاريع الإنمائية. وسوف نبقى ملتزمين بالحفاظ على حقوق الأجيال القادمة.
أما بالنسبة للبنية التحتية فالجهد المبذول باد للعيان والإنجازات واضحة، سواء على مستوى الطرق والجسور والأنفاق أم على مستوى الحدائق العامة والمظهر العام لمدننا.
وقد ساهم القطاع الخاص في مشاريع كبرى بلغ حجمها 27 مليار ريال خلال السنوات الخمس الماضية. ويفترض أن تعمل الدولة على زيادة مساهمة القطاع الخاص في هذه المشاريع في المستقبل.
الإخوة والأخوات،
لا يمكننا إنجاز النهضة وإيصال وطننا إلى مصاف الدول المتقدمة إذا لم نولِ الإنسان جل اهتمامنا، فهو عماد أية نهضة. والعمران لا يقاس بالمباني والمرافق فقط، بل بقدرة البشر على تخطيطها وبنائها وصيانتها، والمدارس التي تعلمّهم، والجامعات التي تخرجهم، وبنوعية التعليم والثقافة والقيم السائدة، والأخلاق.
نحن نشعر بالرضى والسعادة لقدرة الدولة على توفير خدمات ومستوى معيشي لائق، ولكن لا يمكننا بناء الإنسان إذا تكرّس نمط من الشعور بالاستحقاق، وتوقعات لا تنتهي من الدولة دون إحساس عميق بواجب المواطن الفرد تجاه المجتمع والوطن. فمن لا يعطي لا يقدّر قيمة ما يتلقى. المواطنة تشمل حقوقًا وليس استحقاقات. وهي ليست عبارة عن حقوق فقط بل هي أيضا مسؤوليات وواجبات، وأولها العمل بإخلاص وإتقان كلٌ
في موقعه، فكل موقع مهم.
والحقوق أيها الإخوة والأخوات ليست امتيازات أو شعوراً بالتفوق ناجماً عن الهوية، أو بالتعالي غير المبرر على الآخرين. فالتواضع دليل الثقة بالنفس، واحترام الآخرين من احترام الذات. ومسؤوليات المواطنة تتطلب أيضا تقدير من كدّ في بناء هذا الوطن، بما في ذلك إخواننا المقيمون.
يقول تعالى: "ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون". ويقول أيضا: "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون". وإخواننا المقيمون معنا في قطر ليسوا هنا بمنة، بل بفضل عملهم الذي لا يمكننا الاستغناء عنه، ومساهمتهم المقدّرة في بناء هذا البلد.
الإخوة والأخوات،
سبق أن تحدثت إليكم عن الأهمية التي نوليها لتطوير أنظمة العدالة، بما يكفل ترسيخ استقلال القضاء وتحقيق العدالة الناجزة. وقد اتُّخِذَت خطواتٌ هامةٌ مثل تحديث العديد من القوانين المتعلقة بإجراءات التقاضي بما يحقق سرعة الإجراءات وتيسيرها على المتقاضين، ورُفِعَت إلي تقارير عن وضع آليات لسرعة تنفيذ الأحكام، خاصة فيما يتعلق بالنفقات والديون والمنازعات العمالية.
وهذا كله لا يكفي، ويجب بذل الجهود لتنجيع عمل الجهاز القضائي وتحديثه. ويجري العمل حالياً على زيادة أعداد القضاة وأعضاء النيابة العامة، والتوسع في إنشاء المحاكم المتخصصة، وافتتاح مقار جديدة للمحاكم.
حضرات الإخوة والأخوات،
تشهد منطقتنا الخليجية أحداثاً متسارعة، وتطورات بالغة الدقة والخطورة، تهدد أمن واستقرار المنطقة، مما يستوجب على دولنا والمجتمع الدولي، مضاعفة الجهود لوقف التدهور، واعتماد الحوار أسلوبا لحل الخلافات. وقد بدأت دول شقيقة تدرك صحة موقفنا من عدم وجود مصلحة لدول مجلس التعاون في توتير الأوضاع.
ولوحظ، للأسف، غياب دور مجلس التعاون في هذه الظروف بسبب الأزمات المفتعلة والموارد التي تهدرها والطاقات التي تبددها.
وبالرغم من الحصار الجائر المفروض على بلدنا، إلا أن الموقف الصحيح والسلوك المسؤول عزز مكانة دولة قطر ورسخ دورها كشريك فاعل على الساحتين الإقليمية والدولية.
وقد اخترنا في سياستنا الخارجية استراتيجية تنطلق من الموازنة بين مبادئنا الراسخة وأمننا ومصالحنا الاقتصادية، كل هذا في إطار تحديد موقعنا الحضاري والجغرافي والاستراتيجي في هذا العالم ومعرفة قدراتنا. وقد اخترنا أن نلعب دور المسهل للحوار والحلول العادلة وتسوية المنازعات بالطرق السلمية. وشاركنا في كافة الجهود الدولية والإقليمية التي تسعى إلى تحقيق التعايش السلمي، وحماية البيئة، ومحاربة الفقر، وفي جميع الجهود الرامية إلى مكافحة الإرهاب ومسبباته.
ولقد كانت اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الرابعة والسبعين، فرصة مناسبة لنذكّر المجتمع الدولي بالأهمية الاستراتيجية لمنطقتنا الخليجية التي تحتِّم تحقيق الاستقرار السياسي والأمني فيها وهي غاية لن تتحقق إلا بالطرق السلمية، وإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل دون استثناء.
كما كانت فرصة لتذكير المجتمع الدولي أن السلام في منطقة الشرق الأوسط لا يمكن تحقيقه دون تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه المشروعة، وفي مقدمتها إقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وفق ما نصت عليه قرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية. ومن ثم، فإن تطبيع العلاقات مع إسرائيل دون حل عادل لقضية فلسطين مجرد سراب.
وفي الشأن السوري فإننا نؤكد موقفنا الثابت بضرورة إيجاد حل سياسي تفاوضي بين كل الأطراف السورية وفقاً لبيان جنيف (1) وقرار مجلس الأمن رقم (2254) بما يحفظ وحدة سوريا وسيادتها واستقرارها، ونجدد رفضنا للقرار الإسرائيلي الرامي إلى تكريس سيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية المحتلة.
وفيما يتعلق في اليمن فإننا نرى أن استمرار الصراع يشكل تهديداً مباشراً للأمن والسلم الإقليمي والدولي، وندعو جميع الأطراف إلى تغليب المصلحة العليا للشعب اليمني الشقيق وتجنيبه المزيد من المعاناة. ونطالب القوى الفاعلة في المجتمع الدولي بالعمل على توفير الظروف المناسبة لاستئناف الحل السياسي على أساس المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني وقرار مجلس الأمن رقم (2216)، ومساعدة اليمنيين على التحاور فيما بينهم دون تدخلات خارجية لتحقيق تطلعات الشعب اليمني الشقيق فـي الأمن والاستقرار.
أما بشأن الأوضاع في ليبيا فإننا نؤكد على ضرورة تحقيق الوفاق الوطني بين جميع مكونات الشعب الليبي بمنأى عن أي تدخل خارجي، ونجدد دعمنا لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها والوصول إلى تسوية سياسية شاملة تحفظ لليبيا سيادتها ووحدة أراضيها وتحقق تطلعات شعبها الشقيق في الأمن والاستقرار. ونؤكد أن دعم بعض الدول للخارجين عن العملية السياسية والشرعية الدولية هو المعرقل الرئيسي لتحقيق الاستقرار في ليبيا.
وبالنسبة للسودان الشقيق فإننا نثمن الخطوات الإيجابية التي تحققت في العملية السياسية وآخرها تشكيل الحكومة السودانية ونجدد دعمنا لها لتلبية طموحات الشعب السوداني كافة.
الإخوة والأخوات،
في ختام كلمتي، أدعو الله أن يوفقنا جميعاً في خدمة بلدنا، وتحقيق المزيد من تطلعات شعبنا في التقدم والازدهار.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،