كلمة سموه في افتتاح منتدى الدوحة الـ12
أصحاب الفخامة والسمو،
أصحاب المعالي والسعادة،
الحضور الكرام،
أرحب بكم في دولة قطر متمنياً لكم إقامةً طيبة. وأود بمناسبة انعقاد الدورة الثانية عشرة لمنتدى الدوحة أن أشيد بأهمية هذا المنتدى وما يجري فيه من نقاش وما يصدر عنه من مقترحات. وتنعقد دورة المنتدى هذه في مرحلة مصيرية وحاسمة من تاريخ وطننا العربي.
وكثير من الأحداث التي تجري في منطقتنا، وفي أرجاء مختلفة من العالم، كانت موضوعات مدرجة على جدول أعمال الدورات السابقة لهذا المنتدى. وأذكر في هذا المقام، على سبيل المثال لا الحصر، أنه منذ الدورة الرابعة في عام 2004 وعلى مدى دورات متتالية طرح المنتدى دعوات حثت كل من توانى في منطقتنا عن الإصلاح على أن يبدأ فيه. وبالتأكيد لم ننفرد في توجيه النقد والدعوة والنصيحة. ولو وجدت تلك الدعوات وغيرها آذانا صاغية لكان تاريخ المنطقة قد اتخذ مسارات مختلفة خلال العام الأخير.
السيدات والسادة،
لقد سبقت ثورات الحرية العربية مؤشرات لجمود شامل، بل وشلل على مستوى فاعلية السياسات، وغضب عارم على المستوى الشعبي. وكان بعضهم يتجاهل هذه المؤشرات إلى أن فوجئ بالثورات وهي تنفجر منذرة بتحول تاريخي غير مسبوق يؤكد أن الشعوب العربية بدأت تنفض عن نفسها غبار التراخي الطويل وأخذت تسعى من جديد للمساهمة في ركب الحضارة الإنسانية.
لقد انتصرت الثورات العربية، أو هي في طريقها لتحقيق النصر، ولكن دماء الأبرياء الغالية سالت، وما زالت تسيل للأسف، وبعض الأنظمة لا تزال مصرة على رفض الإصلاح الفوري.
الحضور الكرام،
لقد ثارت الشعوب العربية لتسترد للإنسان العربي حريته وكرامته. ولكنها سوف تكون أيضاً السند الذي ستبنى عليه منظومة العلاقات الإقليمية في المنطقة خلال السنوات القادمة. فالمواطن العربي كان يتوق إلى التكامل بين بلدان المنطقة لكنه كان عاجزاً عن بلوغ أمله لأن مصيره لم يكن في يده. أما اليوم فإننا نعتقد أن التكامل العربي لن يظلَّ طموح الشعوب الذي تتجاهله الحكومات، بل ستصبح الحكومات ملزمة به لأنها سوف تصبح ملتزمةً أمام رأي عام.
وكما ينشد الرأي العام العربي الحرية للمواطن، فهو ينشدها كذلك للأوطان. وفلسطين هي آخر وطن عربي لم ينل إلى اليوم حريته وحان الوقت كي ينالها. ولا بد في هذا الخصوص من استيعاب عميق لمغزى ذلك الاهتمام الكبير الذي تبديه الشعوب العربية بالقضية الفلسطينية رغم انشغالها في ظل ثورات الربيع العربي باستقرار أوضاعها الداخلية. ولهذا أرى أنه من الخطأ أن تترك القضية الفلسطينية معلقةً من الناحية السياسية، وعلى جدول الأعمال الدولي. فإرادة الشعوب العربية لن تسمح بذلك بعد الآن، وأدعو إسرائيل أن تتخذ خطوة إيجابية من أجل السلام والعيش المشترك.
كما أدعو من خلال هذا المنتدى أن يرافق الربيع العربي ربيع للسلام العادل في الشرق الأوسط. الشعوب العربية لن تنسى فلسطين، تماماً كما لا ننسى آلاف الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية وأهل غزة المحاصرين من إسرائيل وغيرها. ولذلك على إسرائيل أن تنتهز الفرصة لتلتزم بقواعد الشرعية الدولية، وأن تعترف بالحقوق العربية المشروعة للشعب الفلسطيني، وأن تنسحب من الجولان السوري، ومزارع شبعا اللبنانية، وأن تمتنع عن الممارسات التي تخلق وقائع تمنع تحقيق السلام العادل في المستقبل مثل بناء المستوطنات وتهويد القدس. وإلا فسوف تفوتها فرصة السلام مع الشعوب، فالجيل العربي الصاعد الذي صنع الثورات لم يقبل بظلم الأقربين وتحدّاه، فما بالك بظلم الآخرين. وهل يتخيل أحد أن يقبل الجيل العربي الصاعد بقضية استعمارية مستمرة في بلاده.
ليس لدى هذا الجيل عُقَدُ نقص، ولا يرى بعلاقة المحتل والواقع تحت الاحتلال أمراً مقبولاً، ولا يسلم كما تسلم دول العالم باحتكار إسرائيل للقوة والسلاح النووي وغيره في منطقتنا. ولكنه أيضاً جيل راغب بتطوير بلاده والعيش بسلام ورخاء ومساواة وندية مع الدول الأخرى. ويجب استغلال هذه الفرصة.
وهنا لا بد من وقفة تأمل إزاء تطور سياسي بارز طرأ على المسرح السياسي الإسرائيلي خلال الأيام القليلة الماضية. فقد استطاع رئيس الحكومة الإسرائيلية أن يجمع لنفسه أكبر وأقوى تكتل ائتلافي حكومي في تاريخ إسرائيل. فبعد أن انضم حزب كاديما إلى الحكومة أصبح رئيسها يملك اليوم تأييد 94 نائباً من أصل 120. وبذلك يكون رئيس الحكومة قد أسقط بنفسه الحجة الإسرائيلية المزمنة التي كانت تقول بأن هشاشة الوضع الائتلافي الحكومي لا تسمح بالمرونة أو تقديم أية تنازلات.
وإذا لم يكن هدف إقامة هذا الائتلاف الصمود أمام ضغط أميركي مقبل بعد الانتخابات الأميركية، فإننا نقول بنية حسنة إنه لو توفرت النوايا للسلام ليس لرئيس الحكومة الإسرائيلية معارضة يخشاها، والمطلوب منه أن يخطو خطوة جريئة طال انتظارها على الطريق المؤدي إلى السلام القائم على وقف الاستيطان وحدود 1967 وحل الدولتين. لا تستطيع إسرائيل أن تعتمد بعد اليوم على صداقة حكام أطاحت بهم ثورات الربيع العربي، ولا يجوز لها أن تراهن على آخرين ضد شعوبهم، وضد رأيهم العام، فهي في هذه الحالة ستجد نفسها حتما خلال فترة قصيرة من دون أصدقاء على الإطلاق.
السيدات والسادة،
إن صحوة الإرادة الشعبية في منطقتنا لا تقف عند استرداد المواطن لحقوقه السياسية وإنما تتخطى ذلك إلى نيل حقوقه الاقتصادية والاجتماعية. فقد كان الحرمان أحد أهم الأسباب التي فجّرت ثورات الربيع العربي. وسوف يتضح لنا قريباً أنه كما في دول العالم الثالث كذلك في الدول العربية لا يمكن فصل التحول إلى الديمقراطية عن سياسات التنمية وجَسْر الهوة بين الأغنياء والفقراء، وخلق الظروف الاقتصادية الملائمة لتوسيع الطبقة الوسطى. وأود هنا أن أؤكد على التحديات التالية أمام عملية التحوّل:
أولاً: هناك الكثير من المشاكل الاقتصادية المعقدة التي تتطلب معالجتها وقتا طويلاً، أو التي قد يستعصي حلها مرة واحدة، كسوء توزيع الدخل، وانخفاض النمو الاقتصادي، وارتفاع معدّلات البطالة، وانخفاض الإنتاجية. ولا بد من إشراك الشعب في فهم الصعوبات بشفافية كاملة، لكي يكون واضحاً ما الذي يمكن معالجته فوراً، وما الذي تحتاج معالجته إلى وقت، وما هو سلم الأولويات.
ثانياً: إن الحرية السياسية التي هي أساس الديمقراطية لا تؤدي بالضرورة إلى العدالة الاقتصادية إذا لم ترافقها تنمية اجتماعية وإنسانية وسياسات اجتماعية عادلة.
ثالثاً: لا بد من إيلاء أهمية قصوى لمعالجة قضية البطالة وإعادة تقييم نظم التعليم كي تتواءم مع احتياجات سوق العمل. إن البطالة هي من أهم العوامل التي يمكن أن تزعزع الاستقرار الاجتماعي. فبالإضافة إلى أنها تحرم العامل من دخله، فإنها تؤثر سلباً على احترام الذات وقد تؤدي إلى الإحباط، أو إلى الغضب والتمرد. وحرصاً على مكتسبات هذه الثورات، لا بد أن تُمنَح الأولويةُ لمعالجة هذه المشكلة.
رابعاً: إن الهدف الأبعد يجب أن يكون التنمية المستدامة والتي تشمل تحقيق أهدافها العامة الاقتصادية والاجتماعية والبشرية والبيئية.
السيدات والسادة،
أود من خلال منتداكم أن أشير إلى ما يواجه تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية في الدول النامية من تحديات، حيث إن تحقيق معظم هذه الأهداف بحلول عام 2015 –وهو الموعد المنشود لذلك– أصبح بعيد المنال في الدول الأكثر فقراً. وهذا ينطبق على الأهداف المرتبطة بتأمين خدمات الصرف الصحي، وتوفير المياه الصالحة للشرب، والتعليم الأولي للجميع، وحماية التنوع البيولوجي، وخفض معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة، وتمكين المرأة، وتخفيض عدد من يعانون من نقص التغذية في العالم. وقد لعبت أزمة الغذاء والأزمة الاقتصادية اللتان ألمتا بالعالم مؤخراً دوراً كبيراً في زيادة الوضع سوءاً. فأزمة الغذاء عمقت الفقر في الدول الأكثر فقراً، والأزمة الاقتصادية أدت إلى انخفاض الاستثمارات المباشرة، وانخفاض الصادرات من هذه الدول. وحتى المساعدات الرسمية لهذه الدول والتي لم تنخفض خلال مرحلة الانكماش الاقتصادي العظيم قد انخفضت عام 2011. وهذه ظاهرة تدعو إلى القلق خاصة إذا استمرت في اتجاه الانخفاض. إن التخوف من سياسات التقشف التي تتبعها معظم الدول المانحة أدى إلى تخفيض المساعدات إلى الدول النامية ولو بوقت متأخر بعض الشيء.
وأود الإشارة هنا إلى أن دولة قطر قد ضاعفت من معوناتها الحكومية عام 2011 مقارنة بعام 2010 ووصلت هذه المساعدات خلال العام الأخير إلى 730 مليون دولار، كما قدرت المساعدات الحكومية وغير الحكومية في هذا العام بنحو 990 مليون دولار، وهذا لا يشمل المعونات التي تقدمها بعض الأجهزة الحكومية. ونحن نحث جميع الدول المانحة إلى العمل على أن تقترب مساعداتها الرسمية من سبعة بالألف من دخلها القومي الإجمالي وهي النسبة التي اقترحتها الأمم المتحدة.
إن التأخر المتوقع في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية لما بعد 2015 يجب ألا يثنينا عن تحقيقها ولو بعد سنوات، كما أنه ينبغي علينا من الآن صياغة أهداف إنمائية إضافية تأخذ بعين الاعتبار الأحداث والتطورات الجديدة، والفروقات الكبيرة بين أفراد البلد الواحد.
إن التصميم على تحقيق الأهداف الإنمائية في العالم والاستمرار في تطويرها سيساعد على تحقيق السلام والرخاء للجميع.
الحضور الكرام،
إن منتدى الدوحة وهو يواصل دوراته بانتظام للعقد الثاني على التوالي سيظل منبراً لتبادل الرأي فيما يحدث سواء في منطقتنا أم عبر العالم والنظر فيما يمكن أن يحدث واقتراح كل ما من شأنه الارتقاء بالديمقراطية والتنمية والتجارة الحرة.
وفي الختام أتمنى لكم مجدداً إقامةً طيبة بين إخوانكم وأصدقائكم في قطر ولمنتداكم النجاح والتوفيق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.