كلمة سموه في افتتاح منتدى الدوحة الـ13
أصحاب الفخامة والسمو،
أصحاب المعالي والسعادة،
الحضور الكرام،
أود في البداية أن أرحب بكم جميعاً في منتدى الدوحة في دور انعقـاده الثالث عشـر متمنياً لكم طيب الإقامة في الدوحة.
لقد أصبح المنتدى منبراً دولياً تتفاعل فيه الأفكار حول العديد من القضايا الإقليمية والدولية الهامة من أجل التوصل إلى رؤى تشكّل قاعدة للعمل الجماعي الجاد لبحث كيفية تنفيذ تلك الرؤى بما يؤمن أوسع نطاق ممكن من المصلحة المشتركة.
لا شك أن النظام العالمي شهد تغيرات متلاحقة، ليس في المجالات السياسية فحسب، بل أيضاً في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والإنسانية عموماً. وفي هذا الإطار كان العالم العربي من أبرز الساحات الإقليمية التي تأثرت بهذه التغيرات، مما يجعل المرحلة الحالية التي يمر بها من أهم مراحل تاريخه.
إن من أبرز ما نراه اليوم في العالم العربي مناداة الشعوب بالإصلاح الشامل والسعي لتحقيقه بطرق ووسائل شتى، وفي مقدمتها تحقيق المشاركة السياسية في إدارة الشأن العام. ويجب أن لا ننسى أن شيوع الفقر والبطالة وغياب العيش الكريم وانتهاك حقوق الإنسان في ظل أنظمة الحكم التي تتميز بالتسلط والقمع والفساد، كانت هي القوة الدافعة للثورات العربية التي تستهدف وما تزال المشاركة الشعبية في صنع القرارات السياسية والاقتصادية.
إن تحقيق هذا الهدف يقتضي البدء بتطوير المؤسسات الضامنة لسعة هذه المشاركة والتي لا يمكن أن تنجح إذا لم تصاحبها خطط لنشر الوعي الديمقراطي، وجهد فاعل في التنمية المستدامة باعتبارها وجهاً ملازماً لها في عملية الإصلاح الشامل المستند إلى نظام تعليم متطور، بهذا نكفل ممارسة الرأي والرأي الآخر ليتحقق التفاعل الاجتماعي القائم على الحوار بدلاً من العنف. وعندئذ يصبح ممكناً ترسيخ السلم والاستقرار على الصعيد الوطني، فتسود القناعة العامة بأن المصلحة المجتمعية مشتركة، مما ينعكس بدوره على ازدهار العملية الديمقراطية لأنها سوف لن تكون مجرد إدلاء الأصوات في صناديق الاقتراع في فترات محددة.
وفي هذا الصدد أود أن أذكّر بأن ديننا الإسلامي الحنيف فيه نهج موازي للديمقراطية، وهو النهج الذي يعتمد مبدأ الشورى والعدل.
السيدات والسادة،
إنني أعتقد بأن الشعوب العربية لن تتوقف عن بلوغ أهدافها المشروعة نحو الإصلاح والمشاركة الشعبية والتنمية وتعزيز وحماية كرامة الإنسان، على الرغم من العقبات التي تواجهها. ومن الأجدى والأسلم تحقيق التغيير تدريجياً بالإصلاح والحوار، فطريق التغيير السلمي المتدرّج الواضح الهدف هو طريق أقل مجازفةً، وأكثر وثوقاً، لا سيما في الدول ذات المجتمعات المركبة.
وإنني على يقين بأن من يرفض الإصلاح والتغيير ولا يستوعب حقائق العصر ومتطلبات المجتمعات الحديثة سوف تغيره ضرورات التاريخ ومسيرة الزمن. فالشعوب لا تقتات بالشعارات ولا تكتفي بالأيديولوجيات.
وكثيرا ما نبهنا إلى ما ذكرته آنفا في مناسبات عديدة، ليس تبجحاً بما أنجزناه بتدرج محسوب في دولة قطر، وإنما من أجل إثبات أن ما قمنا به هو أمر مطلوب في المرحلة التاريخية التي نعيش فيها. ولهذا فإننا نشعر بالأسف والأسى أن نرى ثورة الشعب السوري الشقيق قد دخلت عامها الثالث دون أفق واضح لوقف الصراع الدامي الذي خلف وراءه عشرات الآلاف من الضحايا الأبرياء وملايين النازحين واللاجئين، فضلاً عن التدمير المادي الواسع النطاق، نتيجة تمسك النظام السوري بالحل العسكري.
ولم يعد مقبولاً من الدول الفاعلة في المجتمع الدولي عدم التحرك لوضع حد لهذه المأساة المروعة والكارثة الإنسانية المتفاقمة، بينما في الوقت نفسه يريدون أن يقرروا هوية من يدافع عن الشعب السوري بمختلف الذرائع.
ومن المحزن أن يحدث هذا بعد أن فشلت كافة المبادرات الدولية والعربية في دفع النظام السوري للإصغاء لصوت العقل.
السيدات والسادة،
ثمة مسألة في غاية الأهمية أود التطرق لها لكي تكتمل صورة المشهد السياسي الذي نحن بصدده، وهي تسوية القضية الفلسطينية والصراع في الشرق الأوسط.
لقد كنا نسمع في الماضي بأن الإصلاح ليس أمامه إلا الانتظار حتى تتحقق التسوية السلمية للصراع مع إسرائيل، ولكن ينبغي أن يدرك الجميع بأن مثل هذا التفكير أصبح فاقداً للأساس بعد ثورات الربيع العربي التي أملاها النزوع نحو الإصلاح والسعي لتنفيذ النتائج المترتبة عليه وهو ما لا يمكن إدراكه ما لم يتم ذلك بالتزامن مع السعي إلى إيجاد تسوية سلمية للقضية الفلسطينية والصراع في الشرق الأوسط.
والسبب في ذلك هو أن ثورات الربيع العربي جعلت إسرائيل اليوم في مواجهة مباشرة مع الشعوب العربية وليس مع حكامها فقط. فهذه الشعوب لن تقبل بعد اليوم بأن تكون المفاوضات أو العملية السياسية غايات في حد ذاتها، وبالتالي لا بد من العمل الجاد لتحقيق السلام العادل باعتباره الهدف والغاية الرئيسية لعملية السلام.
السادة الحضور،
إن منطقتنا لن تعرف الاستقرار والأمن إلا بعد إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية والانسحاب من جميع الأراضي العربية المحتلة عام 1967 بالاستناد إلى مقررات الشرعية الدولية والعربية، وإلى حق الشعب الفلسطيني في ممارسة كافة حقوقه الوطنية الثابتة عبر إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
ولهذا فإن ممارسات الاستيطان وتهويد القدس الشريف بالإضافة لكونها خرقاً للقانون الدولي تقوّض أسس حل الدولتين، وإن على إسرائيل أن لا تضيع الفرصة المتمثلة بمبادرة السلام العربية.
الحضور الكرام،
إن التنمية بمفهومها الشامل والتحديات التي تواجهها من النواحي الاقتصادية والبيئية والتكنولوجية والموارد باتت قضية يعتمد عليها بقاء أي مجتمع ودوره وتطوره في هذا العالم.
لقد مثلت أوجه القصور في تحقيق التنمية عاملاً رئيسياً في التحولات التي شهدتها المنطقة العربية. وانطلاقاً من إيماننا الراسخ بأهمية التعاون الدولي في تحقيق التنمية كركيزة للأمن والاستقرار على مختلف المستويات الوطنية والإقليمية والدولـية، فإن دولة قطر بوصفها شريكاً فاعلاً ورئيسياً في التنمية المستدامة لم تألُ جهداً في تنفيذ التزاماتها الدولية بشأن تقديم المساعدات الإنمائية للدول النامية لتمكينها من تنفيذ الأهداف التنموية للألفية وخاصة منها مكافحة الفقر والبطالة والتعليم وتحسين الرعاية الصحية.
وفي هذا الإطار يتعين أيضا إنجاز ما تبقى من مفاوضات الدوحة للتجارة الحرة من أجل تعزيز حركة التجارة العالمية، فضلاً عن العمل على إزالة الحواجز التجارية وخلق البيئة المحفزة للاستثمار المحلي والأجنبي وعقد الشراكات الملائمة بين القطاعين العام والخاص.
آمل في الختام أن تشكل أعمال هذا المنتدى إسهاماً مناسباً في بلورة الرؤى والقواعد التي تلبي طموحات الشعوب بشأن القضايا والموضوعات التي يناقشها المنتدى.
وشكراً.