كلمة سموه في افتتاح مؤتمر الأونكتاد الـ13
بسم الله الرحمن الرحيم
أصحاب الفخامة والسمو،
أصحاب المعالي والسعادة،
سعادة الأمين العام لمنظمة الأونكتاد،
السيدات والسادة،
أحييكم وأرحب بكم في الدوحة متمنياَ لكم طيب الإقامة، وأود في البداية أن أعرب عن بالغ التقدير لفخامة البروفسور جون إيفانس ميلز، رئيس جمهورية غانا الصديقة، على الدور الفعّال الذي قامت به بلاده طيلة رئاستها لمؤتمر الأونكتاد السابق.
كما أود أن أعرب عن تقديرنا للأمانة العامة لمنظمة الأونكتاد للجهود التي تبذلها لتحقيق الأهداف السامية للمنظمة، وللجهد الذي قامت به في التنسيق مع دولة قطر للإعداد لهذا المؤتمر والسعي لإنجاحه.
ويسعدني هنا أن أشير إلى أن الدوحة أصبحت ملتقىً هاماً للمؤتمرات التي تسعى للنهوض بالتنمية على الصعيد العالمي، وهذا يعكس اهتمام قطر الدائم بقضايا التنمية في العالم.
فقد استضافت دولة قطر الملتقى الوزاري الرابع لمنظمة التجارة العالمية الذي انعقد عام 2001 والذي كان البداية لما يسمى بجولة الدوحة التي وضعت برنامج عمل طموح لتعزيز دور التجارة في عملية التنمية. كما أنها استضافت مؤتمر القمة الثاني لمجموعة الـ77 بالإضافة إلى الصين الذي عقد عام 2005.
وقد بين هذا المؤتمر رؤية الدول النامية، ووضع جدول أعمال طموح يهدف للوصول إلى اقتصاد عالمي يعود بالنفع على الجميع، ودعا إلى تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية بالكامل وفي الوقت المحدد.
كما استضافت دولة قطر مؤتمراً عالمياً عام 2008 بشأن تمويل التنمية، يهدف إلى التصدي للتحديات التي تعترض مسار التنمية في الدول النامية.
ونحن نلتقي اليوم في مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية الثالث عشر، ويأتي هذا المؤتمر في ظل تحديات وأزمات اقتصادية وسياسية متعددة وهامة، شهدها العالم بعد انعقاد مؤتمر الأونكتاد الثاني عشر في أكرا عام 2008. وأود هنا أن أركّز على عدد من النقاط ذات العلاقة بمحاور المؤتمر:
أولا: إن الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالعالم منذ بداية عام 2008، والتي أدت إلى ما سمي بالانكماش الاقتصادي العظيم، كانت من أهم الأحداث التي تلت مؤتمر الأونكتاد الأخير، وبالرغم من أن هذا الانكماش انتهى رسمياً في منتصف عام 2009 إلا أن الأزمة ما زالت تلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي وعلى التطورات الاقتصادية المتوقعة في عام 2012 وربما عام 2013.
لقد قام البنك الدولي في يناير (كانون الثاني) 2012 بتخفيض تقديراته للنمو العالمي المتوقع في عام 2012 وشمل هذا التخفيض دول الاتحاد الأوروبي والدول المتقدمة الرئيسية مثل الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية. كما بدأت هذه التطورات تنعكس سلباً وإن بدرجة أقل على الدول النامية الصاعدة مثل البرازيل والهند وتركيا وجنوب إفريقيا.
وقد تكون النتائج الفعلية للاقتصاد العالمي أسوأ من هذه التوقعات لأن مشكلة الدين العام في منطقة اليورو لم تعالج وإنما أُجّلت.
كما أن السياسة المالية في الولايات المتحدة ما زالت رهينة الخلاف العقائدي بين الجمهوريين والديمقراطيين، وسياسات الدول الأخرى التي تعتمد كلياً على التصدير ما زالت بحاجة إلى تطوير علاقة جديدة بين التصدير والاستهلاك المحلي لتحقيق نموها الاقتصادي.
لقد أدت الأزمة الاقتصادية العالمية إلى تأخير عملية التنمية في معظم الدول وخاصة الدول الأقل نمواً وإلى ارتفاع البطالة فيها وجلبت البؤس للملايين، وأدت إلى تغيرات جوهرية في بعض البلدان. ولذا فمعالجة هذه الأزمة تشكل أكبر تحدٍ يواجه نظام العولمة والذي يستند بشكل رئيسي على التجارة والتنمية.
وقد نجمت هذه الأزمة عن اختلالات جوهرية في النظم والمؤسسات والسياسات الاقتصادية والمالية لم تعالج جميعها بالرغم من الجهود التي بذلت لتحقيق ذلك على مستوى الدول المعنية انفرادياً أو جماعياً. وكي لا تصبح العولمة عائقاً للتنمية الاقتصادية لابد من تعزيز الجهود لإجراء إصلاحات جوهرية في النظام المالي العالمي الذي فجّر الأزمة الاقتصادية العالمية.
ومن الضرورة هنا أن تستند عملية الإصلاح على المبادئ الإنسانية التي تشجع على تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، ومحاربة الجشع والمغامرة بأموال الآخرين.
ثانياً: إن التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة وجذب الاستثمارات وتشجيعها وتعزيز التجارة الدولية، يتطلب الاستقرار الداخلي حيث إن عدم الاستقرار في بعض البلاد العربية، الذي تَمثّل بما يسمى ثورات الربيع العربي، لم ينشأ بسبب الفقر وبطالة الشباب والتفاوت في التنمية الجهوية في معظمها، وإنما لأسباب أخرى أهمها سياسات القمع والتسلط، وعدم المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات الاقتصادية والاجتماعية، والفساد وعدم تكافؤ الفرص، والسياسات الاقتصادية الخاطئة والفاسدة التي أدت إلى زيادة معدلات البطالة وإثراء طبقة صغيرة من رموز السلطة والتجار الكبار على حساب أكثرية الشعب.
لقد ثبت أن السياسات الاقتصادية المدفوعة بالمصلحة السياسية القصيرة المدى للحكام، وتلك المدفوعة بالمصالح الاقتصادية لفئة من حولهم وليس بمصلحة الدولة والمجتمع، هي سياسات كارثية ذات عواقب وخيمة. ولا يمكن أن يتحقق الاستقرار الداخلي ولن يتحقق في ظل هذه الظروف، ويتطلب تحقيقه تمكين الشعوب من التعبير عن خياراتها وتطلعاتها بصورة حرة واحترام كافة حقوقها المشروعة.
ونحن نأمل أنه بعد المراحل الانتقالية الصعبة سوف تصل البلدان العربية إلى خياراتها الاقتصادية القائمة على خيارات ديمقراطية وسوف يصب ذلك في مصلحة الدول والمجتمعات والإقليم، وسوف تكون لها نتائج إيجابية على المستوى العالمي. ولكن قبل ذلك لا بد من تنظيم المراحل الانتقالية على أساس مبادئ مجمع عليها من قبل القوى الاجتماعية والسياسية الفاعلة، حيث تقود دول الربيع العربي إلى بر الأمان، بحيث تشكل قدوة لغيرها.
كما أن نجاح جهود التنمية وتطور علاقات التعاون التجارية بين مختلف البلدان يتطلب توفير مناخ عالمي يسوده العدل والأمن والاستقرار، لأن تفاقم بؤر التوتر والنزاعات وبقاء عدد من القضايا الدولية دون تسوية نهائية يشكل عائقاً كبيراً أمام تحقيق السلام والتنمية.
ثالثاً: ما زال هناك خلاف جوهري بين الدول النامية من جهة، ودول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من جهة أخرى، حول معونات التصدير للمواد الزراعية. لقد رأينا ذلك حين استضافت الدوحة الملتقى الوزاري الرابع لمنظمة التجارة العالمية، وفي التفاوض في جولة الدوحة التي نجمت عنه، والذي لم يكتمل. فأرجو أن يعمل هذا المؤتمر على إزالة الفجوة بين الطرفين في هذا المجال وأن يتوصل لاتفاق نهائي على القضايا الأخرى المتعلقة بتيسير وتحسين بيئة التجارة الدولية. ففتح أسواق الدول المتقدمة أمام منتجات الدول النامية والتوقف عن اتباع السياسات الحمائية -صريحة كانت أم مقنّعة- أمر ضروري لتقوية قدرات هذه الدول على الإنتاج والتسويق، وبالتالي لتعميم منفعة العولمة على جميع الدول ومساعدة الدول النامية في سيرها لتحقيق التنمية المستدامة.
رابعاً: على الدول النامية والأقل نمواً تحقيق أهدافها من دون أن تنظر إلى التجارة والتنمية من منظور أوسع والعمل دون الخيار الصعب للانتقال من اقتصاد يعتمد على تصدير المواد الأولية إلى اقتصاد متنوع يعتمد على تنمية القدرات البشرية وعلى تطوير الصناعات والخدمات التي تستطيع التميز بها. وهذا ليس بالأمر السهل، ويتطلب ما يلي:
-
وضع استراتيجيات تنموية تتماشى مع الأهداف الاقتصادية العامة لهذه الدول، وخلق مناخ استثماري مشجع للمال الوطني والأجنبي.
-
تعاوناً وثيقاً بين دول الجنوب من أجل زيادة التجارة بينها وتعزيز التكامل ودعم البحوث والتطوير.
-
وجود مناخ دولي يتسم بالتعاون من أجل خلق شراكة أكثر عدلاً وتوازناً، وتضييق الفجوة الاقتصادية بين الدول. وهذا يتطلب من الدول المتقدمة الحفاظ على تحقيق نسبة المعونات من ناتجها القومي الإجمالي للدول الفقيرة التي تم الاتفاق عليها سابقاً، والمساعدة على فتح الأسواق المالية لتمويل الاستثمارات في الدول النامية.
إن دولة قطر تتبنى هذه المتطلبات وتعمل على تحقيقها على أكمل وجه، سواء بالنسبة لتماشي استراتيجيتها الوطنية مع أهدافها الاقتصادية العامة أو خلق مناخ استثماري محفز لرأس المال المحلي والأجنبي، أو تقديم المعونات للدول النامية الأكثر فقراً أو المساهمة في الشراكة العالمية من أجل التنمية.
خامساً: إذا كان عام 2015 هو الموعد المنشود لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، فينبغي علينا من الآن صياغة وتحديد أهداف إنمائية جديدة لما بعد عام 2015 تأخذ بعين الاعتبار الأحداث والتطورات الجديدة وتهدف لتحقيق السلام والتنمية والرخاء للجميع.
هذه بعض النقاط التي رغبنا الإشارة إليها، ونحن على ثقة بأن مداولاتكم بما تحظى به من مشاركة نوعية من الخبراء وأهل الاختصاص سوف تسهم في إثراء محاور المؤتمر.
وفي الختام نأمل أن تساهم أعمال هذا المؤتمر الهام في تعزيز دور منظمة الأونكتاد وفي تلبية طموحات شعوبنا نحو تحقيق التنمية المستدامة.
أشكركم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.