رسالة قطر إلى أوباما
(مقال صحفي لسمو الأمير في صحيفة نيويورك تايمز)
أكد حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى أن دولة قطر تمثل حجر الأساس للاستقرار في بحر من الاضطراب، وقال سموه: "نحن جزء لا يتجزأ من المنطقة، ونهتم بشكل كبير بأمنها واستقرارها، وقد انضممنا إلى التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا ضد الإرهاب، ومتحدون مع شركائنا في الخليج لمكافحة التطرف العنيف بكافة أشكاله، وللحفاظ على دورنا كوسطاء بين الفرقاء الإقليميين. ونحن قمنا بخطوات نشيطة في الجهود الدبلوماسية لحل النزاعات التي طال أمدها بالأماكن التي تمزقها الصراعات مثل السودان ولبنان واليمن".
وأضاف سموه في مقال رأي لسموه بصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نشر في 24 فبراير 2015 خلال زيارته الرسمية للولايات المتحدة الأمريكية: "عندما ألتقي الرئيس باراك أوباما في واشنطن، كجزء من زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة، رسالتي ستكون واضحة ألا وهي: يجب أن نعمل معا لسحب الشرق الأوسط من حافة الانهيار، وهذا يتطلب التزاما جريئا على أساس رؤية طويلة الأجل من العدل والأمن والسلام لجميع شعوب المنطقة، ونحن في قطر على استعداد للقيام بكل ما يلزم للمساعدة في تحقيق هذه الرؤية، وتحقيقا لهذه الغاية، سيكون لدينا علاقة ثنائية قوية توفر أساسا متينا للتعاون بين أمريكا وقطر، سواء في المنطقة أو خارجها، وبالفعل فقد تعمقت شراكتنا الاستراتيجية في السنوات الأخيرة، رغم الاضطرابات الإقليمية".
وكتب سموه "منطقة الشرق الأوسط تشهد أزمنة صعبة، مع استمرار العنف بسوريا والعراق أضيفت إليه الأزمات الجديدة في ليبيا واليمن، ناهيك عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر بلا هوادة، لكن رغم أن الوضع الآن سيئ إلا أنه سيشهد مزيدا من التدهور، خاصةً أن الدول المحبة للسلام في العالم لا تتصرف بسرعة لكبح جماح قوى الفوضى والعنف".
وأضاف سموه: "في تصريحاته الأخيرة حول التحديات التي يفرضها التهديد الإرهابي؛ صرح الرئيس أوباما بأن الحلول العسكرية لا تكفي وحدها لدحر الإرهاب ومواجهة التحديات الاستراتيجية التي تواجه الشرق الأوسط والعالم بشكل ضخم، ونحن في قطر لطالما اتفقنا مع هذا الموقف".
وأشار سموه إلى أنه يعلم أن الكثير في الغرب ينظر إلى أن التهديد الإرهابي هو بسبب مشكلة واحدة وهي الإسلام، "لكن بوصفي مسلما، يمكنني أن أقول لكم إن المشكلة ليست في الإسلام، بل في حالة اليأس، هي نوع من اليأس الذي ينتشر في مخيمات اللاجئين السوريين والفلسطينيين، وفي المناطق والقرى التي أنهكتها الحرب بسوريا والعراق واليمن وليبيا وغزة، إنه اليأس الذي نراه في الأحياء الفقيرة المجاورة للمدن الأوروبية الكبيرة، بل وحتى في الولايات المتحدة. هذا هو اليأس، الذي لا يعرف دولة ولا دينا، إننا بحاجة إلى معالجة هذه المشكلة إذا أردنا وقف موجة الإرهاب".
وأردف سموه: "إن هذا الأمر ليس ذريعة للإرهاب؛ فقطر أدانت بقوة الأعمال الوحشية التي ترتكبها المجموعات المتطرفة، وأكدت ثباتها في دعم المبادرات الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب، لكن استعمال الرصاص والقنابل وحدهما لا يمكن أن يؤدي إلى كسب الحرب على الإرهاب، مؤكدا أن معالجة الأسباب الجذرية للإرهاب تتطلب طريقة أعمق على المدى الطويل ونهجا أكثر استراتيجية، مضيفا “سيتطلب هذا الأمر من القادة السياسيين أن يكون لديهم الشجاعة للتفاوض التعددي والشامل ووضع حلول لتقاسم السلطة للنزاعات الإقليمية، وسوف يتطلب هذا الامر محاسبة الطغاة".
وأعرب سموه عن أسفه لأن "حربنا على الإرهاب، في بعض الحالات، تساعد في الحفاظ على الديكتاتوريات الملطخة بالدماء التي ساهمت في ارتفاع هذه الحركات الإرهابية، نحن نعتقد أن المعركة ضد التطرف العنيف لن تنجح إلا إذا اقتنع سكان المنطقة بالالتزام بإنهاء الأنظمة الاستبدادية من أمثال بشار الأسد في سوريا، الذي يقود حرب إبادة جماعية ضد شعبه، لكن مسؤولية القيام بذلك يجب ألا تتحملها الولايات المتحدة وحدها، وعلى الدول العربية أن تعمل معا لإيجاد حل سياسي في سوريا".
وأضاف سموه "علينا أيضا أن نعد أنفسنا لفترة طويلة من أجل تجنب أنواع الفشل الكارثية التي شهدناها في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، فجهودنا في مرحلة ما بعد الحرب بسوريا وغيرها يجب أن تتركز على توحيد الناس كمواطنين متساوين ضمن الدول ذات السيادة، وفي الوقت نفسه، علينا تجنب تعميق الانقسامات الطائفية التي تضعف الحكومات والدول، والتي تغذي نيران التطرف العنيف، وينبغي البدء بوضع جهد واعٍ لمكافحة المحاولات السافرة لتعميق الانقسام بين السنة والشيعة واستغلاله لأغراض سياسية".
وشدد سموه على ضرورة العمل أيضا على إيجاد حلول دبلوماسية للصراعات التي طال أمدها والتي تعمق عدم الثقة وتغذي الإحباط الذي يولد التطرف، فيجب إنهاء الاحتلال العسكري الذي دام لعقود طويلة في فلسطين، ويجب إقامة دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة، وسيكون من السهل فتح آفاق لحل هذا الصراع الشائك، لكن كما أوضح حصار غزة العام الماضي، فإن بقاء الوضع على ما هو عليه لم يعد خيارا.
وختم سمو الأمير مقاله بالقول إنه "على مدى السنوات الثلاث الماضية، وقف المجتمع الدولي موقف المتفرج أمام توق الشباب في العالم العربي للحصول على الحرية والعدالة والأمن الاقتصادي الذي تعاملت معه القوى السياسية بازدراء. لكن رغم كل هذا التشاؤم الذي تولده قوى العنف والقمع، فإن شباب العالم العربي لا يزال صامدا وملتزما بمستقبل أفضل، إنه لا يزال يأمل في العيش بشرق أوسط يحترم الكرامة الإنسانية ويحقق عدالة فعلية وحقيقية، لكن آماله لن تستمر إذا لم نتحرك كما يجب، ونسعى لاستعادة ثقته ودعمه من خلال تجديد التزامنا بالقيم التي تظاهر من أجلها في الربيع العربي".