سمو الأمير يشارك في الاجتماع الاستثنائي لمجموعة العشرين بشأن أفغانستان
شارك حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، في الاجتماع الاستثنائي لمجموعة العشرين بشأن أفغانستان، بدعوة من دولة السيد ماريو دراغي رئيس وزراء الجمهورية الإيطالية، والذي تترأس بلاده الدورة الحالية للمجموعة، وعقد عصر اليوم في مدينة روما بمشاركة عدد من أصحاب الفخامة والسعادة قادة الدول ورؤساء الحكومات ورؤساء الوفود.
وألقى سمو الأمير المفدى كلمة عبر تقنية الاتصال المرئي في الجلسة الرئيسية للاجتماع فيما يلي نصها:
بـسـم الله الـرحـمـن الـرحـيـم
الـسـيــداتُ والـسـادةْ ،
الــحـضــورُ الــكِـرامْ ،
يُسْعِدُني في البِدايَةْ أَنْ أَتَوَجَّهَ بِالشُّكرْ لمِعالِي السيدْ ماريو دراغي ، رئيس وزراء الجمهوريةِ الإيطالِيَّةْ عَلَى دَعْوَتِنا لِلْمُشارَكَةِ فِي هذا الاجتماعِ الهامْ .
يَعْكِسُ عَقْدُ هذا الاجتماعْ الإرادةَ الدولِيَّةْ لِتَحْقيقِ السِّلْمِ والأَمْنِ والاستقرارْ فِي أفغانستانْ . وَنَحْنُ فِي دولةِ قطرْ حريصونَ عَلَى أَنْ يَنْعَمَ الشَّعْبُ الأَفغانِيُّ الشَّقِيقْ بِالأَمْنِ والاستقرارْ ، فَهُمَا شَرْطَا التنميةِ والرَّخاءْ . وَانْطِلاقاً مِنْ هذهِ الرُّؤْيَةْ وقناعَتِنا بِحَلِّ النِّزاعاتْ بِالطُّرُقِ السِّلْمِيَّةْ فَقَدْ جَعَلْنا مِنَ الحِوارْ وَتَسْوِيَةِ المُنازعاتْ ركيزةً أساسِيَّةً لِسِياسَتِنا الخارجِيَّةْ .
وَفِي حالةِ أفغانستانْ تَكَلَّلَتْ هذهِ الجُهودْ بِتَوْقيعِ اتِّفاقِ الدوحةْ في ٢٩ فبراير ٢٠٢٠ بَيْنَ كُلٍّ مِنَ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةْ وحركةِ طالبانْ ، الذي جاءَ تَتْوِيجاً لِلْحِوارِ المباشرْ بَيْنَهُما ، والذِي طَلَبَ مِنَّا شُركاؤنا الدَّوْلِيُّونْ المبادرةَ إليهْ وَرِعايَتَهْ . كانَتْ هذهِ بِدايَةَ الطريقْ نَحْوَ ما نَأْمَلُ أَنْ يُصْبِحَ سلاماً مُسْتداماً في أفغانستانْ .
لَقَدْ شَمَلَ الاتِّفاقْ عِدَةَ مَحاوِرْ علىَ رَأْسِها إطْلاقُ حِوارٍ بَيْنَ الفُرَقاءِ الأفغانْ أَنْفُسِهِمْ ، بِالإضافةِ إلى انسحابِ قُوَّاتِ التحالُفْ مِنَ الأَراضِي الأفغانيةْ شَرِيطَةَ أَلاَّ يَتِمَّ استغلالُ الأراضِي الأفغانيةْ لأَيَّةِ أَنْشِطَةٍ تُهَدِّدُ الدُّوَلَ الأُخْرَى . وَتَقَعُ اليومَ علىَ عاتقِ حكومةِ تصريفِ الأعمالْ في أفغانستانْ مسؤولِيَّةَ استيفاءِ الالتزاماتْ في هذا الشَّأنْ ؛ كَما يَقَعُ علىَ المجتمعِ الدَّوْلِيْ مسؤولِيَّاتٌ جَمَّةٌ تِجاهَ أفغانستانْ ، فِي صدارَتِها المساعداتُ الإنسانيةُ والإغاثيةْ والتي لا تَحْتَمِلُ التَّأْخيِرْ .
وَأَذْكُرُ فِي هذا السِّياقْ أَنَّ جَمِيعَ الآلِيَّاتِ الأُمميةِ اللازِمَةْ لِتَقْدِيمِ المساعداتْ قائِمَةٌ مُنْذُ الحقبةِ السابقةْ حِينَ اعْتَمَدَتْ أفغانستانْ إلىَ حَدٍّ كبيرْ علىَ تلكَ المساعداتْ . وَيُمْكِنُ العملْ عَلَى إعادةِ تَفْعِيلِها . لَقَدْ أَثْبَتَتِ التجربةْ أَنَّ العُزْلَةَ والحِصارْ يُؤَدِّيانِ إلىَ اسْتِقْطابِ المَواقِفْ وَرُدودِ الفِعْلِ الحادَّةْ ، أَمَّا الحِوارُ والتعاونْ فَيُمْكِنُ أَنْ يَقودا إلىَ الاعْتِدالِ والتسوياتِ البَنَّاءَةْ .
وفي هذا الإطارْ نُؤَكِّدُ عَلَى أَهَمِّيَّةِ الاسْتِمْرارْ فِي جُهودِ البِناءِ والتنميةْ ، لا سِيَّما التنميةُ البشريةْ ، وَهْوَ ما يَتَطَلَّبُ الحِفاظَ عَلَى الطَبَقَةِ الوُسْطَى المتعلِّمَةْ وأصحابِ الخِبراتْ - الذينَ أَسْهَمَ المجتمعُ الدَّوْلِيْ في تطويرِهِمْ في بَلَدِهِمْ ، حَيْثُ أَنَّنا بِتْنا نَخْشَى مِنْ نزيفٍ حقيقِيٍّ لِلعقولِ والخبراتْ قَدْ تُعانِي مِنْهُ أفغانستانْ طويلاً . يَتَطَلَّبُ ذلكَ مِنَ الحكومةِ الانتقالِيَّةْ بَذْلَ جَهْدٍ في إيجادِ الحوافزْ لِبَقاءِ أصحابِها في وطنِهِمْ .
ولكنَّ هذا لا يَتَعارَضُ مَعَ ضَمانِ حريةِ التنَقُّلِ والحركةْ فَهذا أَحَدُ أولَوِيَّاتِنا . وَقَدْ كانَتْ دولةُ قطرْ وَلا زالَتْ أَحَدَ أَكثرِ الدُّوَلِ سَعْياً لاِستقبالِ الأفغانْ وَتَيْسِيرِ حركةِ دُخولِهِمْ وَخُروجِهِم إلى وَمِنْ أفغانستانْ . والجديرُ بالذكرْ أَنَّ دولةَ قطرْ ساهَمَتْ في إقامةِ أَكْبَرِ جسرٍ جَوِّيٍّ في التاريخْ ساعَدَ في إجلاءِ آلافِ الأَفرادِ والعائلاتْ مِنْ جِنسياتٍ مختلِفَةْ مِنْ أفغانستانْ ، كَما أَذْكُرُ في هذا السِّياقْ بِأَنَّ الفِرَقَ الفَنِيَّةَ القطريةْ اسْتَطاعَتْ خِلالَ أَقَلْ مِنْ عشرةِ أَيامْ أَنْ تُعِيدَ تَشْغيلَ مطارْ كابلْ الدولِيْ بِحَيْثُ أَصْبَحَ صالِحاً لاسْتِقْبالِ الطائراتِ المدنيةْ .
وَمِن الأَهَميَّةِ بِمكانْ أَنْ نََتَذَكَّر قَبْلَ إِسداءِ النَّصائِحِ وَوَضْعِ الشُّروطْ ، أَنَّ مُؤَسساتِ الدَّولةِ في أَفْغانستان مُنْهارةً عَمَلِياً ، وَأَنَّ المُهمَّةَ الأُولَى تَكْمُنُ في بِنائِها وَتَسييرِها ، وَأنَّ مَنْحَ الأفغانْ فُرصةً لِلْقِيامِ بِهذهِ المُهمةِ وَتقديمِ يَدِ العَونِ لَهُمْ يُسْهِمُ في عَمليَّةِ بِناءِ الثِّقةْ .
أمَّا فِيما يَتَعَلَّقُ بِحقوقِ الإنسانِ والمُواطِنْ ، فَإنَّها لا تَتَعارَضُ مَعَ الشريعةِ الإسلاميةْ ، وَلَيْسَ ذلكَ فَقَطْ ، بَلْ إِنَّ المَقاصِدَ الحقيقِيَّةِ للشريعةِ الإسلاميةِ السمحةْ القائِمَةِ عَلَى العدلِ والمساواةِ والرحمةْ بَعْدَ الإِيمانْ تُشَجِّعُ عَلَى مَنْحِ هذهِ الحُقوقْ . وَمِمَّا يُؤَكِّدُ ذلكْ أَنَّ دولةَ قطرْ تَتَّخِذُ مِنَ الشريعةِ الإسلاميةْ مَصدراً لِتشريعاتِها وَقَدْ تَبَوَّأَتِ المرأَةُ فِيها مَنْصِبَ الـوزيـرةِ والقاضيـةِ وغَيْـرِهـا مِنَ المـناصبْ العامةْ . وَمِنْ نافِلِ القَولْ أَنَّهُ لا يُمْكِنُ النُّهوضُ بالمجتمعاتْ في البلدانِ الإسلاميةْ مَعَ تَعْطيلِ نِصْفِ المجتمعِ عَنِ العملِ والتعليمْ .
وَنُؤَكِّدُ مِنْ جديدْ علىَ حِرْصِنا الدائمْ وموقِفِنا الثابِتْ مِنْ دَعْمِ الشعبِ الأفغانِي وَحَقِّهِ في العيشِ بكرامةْ وتحقيقِ المصالحةِ والتعايشِ السلميْ بَيْنَ جميعِ أطيافِهِ وَمُكَوِّناتِهْ بِدونِ إقصاءٍ أَوْ تمييزْ لِبناءِ مُستقبَلٍ مُشْرِقٍ لِلأجيالِ الحاليةِ والقادمةْ في هذا البلدِ العريقْ ، وَمِنْ هذا المنطلقْ نُجَدِّدُ الدعوةَ لحكومةِ تصريفِ الأعمالْ في أفغانستانْ لِبَذْلِ كافَّةِ الجهودْ لتِحقيقِ المصالحةِ الوطنيةِ الشامِلَةْ وَحِمايةِ حُقوقِ الإنسانْ . وَنَحْنُ واثقونَ أَنَّهُ بِالنسبةِ لِلحكومةِ الأفغانِيَّةْ الشعبُ الأفغانِيُّ واحدْ ، وَهْوَ مُؤَلَّفٌ مِـنَ المـواطـنينَ الأفغـانْ مَعَ احترامِ هوياتِهِمْ الإثنيةْ والجهويةِ وغيرِها .
أخيراً فَإنَّنِي أَدْعُو قادةَ مجموعةِ العشرينْ والمجتمعَ الدَّوْلِيْ إلى انْتِهاجِ مُقارَبَةٍ عَمَلِيَّةٍ تِجاهَ المسألةِ الأفغانيةْ ، تُتَرْجَمُ مِنْ خِلالِها الأقوالُ والنَوايا الحسنةْ إلى خُطُواتٍ عملِيَةٍ تَضْمَنُ الموازَنَةَ بَيْنَ حُقوقِ الشعبِ الأفغانيْ في الحريةِ والكرامةْ وحقوقِهِ في الوُصولِ إلى الغِذاءِ والدواءِ والتنميةْ ، الأمرْ الذي يَتَطَلَّبُ أَنْ يكونَ هُناكَ مَوقِفٌ دَوْلِيٌّ مُوَحَّدْ وَخُطَّةُ طريقْ تَرْسِمُ المسؤولياتِ والواجباتِ المُناطَةَ بحكومةِ تسييرِ الأعمالْ في أفغانستانْ وَتَوَقُّعاتِ المجتمعِ الدَّوْلِي مِنْها دُونَ فَرْضِ وِصايَةْ ، وَتُوَضِّحُ في المقابِلْ مسؤولِيَّاتِنا وواجباتِنا جميعاً تِجاهَ هذا البلدِ وشعبِهْ .
وفي الخِتامْ ، أَتَمَنَّى أَنْ يُحَقِّقَ هذا الاجتماعْ الأهدافَ المنشودةْ وتـلبيـةَ طـموحـاتِ الـشعـبِ الأفـغـانـيْ فـي الأمـنِ والاسـتقـرارْ .
والـسـلامُ عـلـيكـمْ ورحـمـةُ اللهِ وبـركـاتُـهْ .