سمو الأمير يشارك في الجلسة الافتتاحية للدورة الـ75 للجمعية العامة للأمم المتحدة
شارك حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى في الجلسة الافتتاحية للمناقشة العامة للدورة الخامسة والسبعين للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة، التي عقدت عبر تقنية الاتصال المرئي من مقر المنظمة في مدينة نيويورك، بمشاركة عدد من أصحاب الجلالة والسمو والفخامة والسعادة قادة الدول ورؤساء الحكومات والوفود.
وقد ألقى سمو الأمير المفدى خطابا، فيما يلى نصه:
بــســم الله الـــرحــمــن الــرحــيــم
سـعـادة رئـيـس الجـمـعـيـة العـامـة،
سـعـادة الأمـين الـعـام للأمـم المـتـحـدة،
الـسـيـدات والـسـادة،،
الـسـلام علـيكـم ورحـمـة الله وبـركـاتـه،
في البداية أتوجه بالتهنئة إلى سعادة السيد فولكان بوزقر على تولي رئاسة الدورة الخامسة والسبعين للجمعية العامة متمنياً له التوفيق والسداد، كما أشكر سعادة السيد تيجـانـي محمد بـانـدي رئيس الدورة السابقة على ما بذله من جهود مقدرة خلال فترة عمله، وأغتنم هذه المناسبة لأشيد بدور سعادة الأمين العام السيد أنطونيو غوتيريش في تعزيز دور الأمم المتحدة وتحقيق أهدافها.
الـسيــد الرئـيــس
يأتي انعقاد هذه الدورة ونحن نحتفل بالذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس الأمم المتحدة، ومن الصواب في هذه المناسبة أن نتذكر أنها تعبير مؤسسي عن إدراكنا أننا ننتمي لإنسانية واحدة. وكثيرة هي التجارب التاريخية التي تثبت هذه الحقيقة وتظهر خطر التقليل من شأنها.
وقد ذكرنا تفشي جائحة (كوفيد-19) أننا نعيش على نفس الكوكب، وأن التعاون المتعدد الأطراف هو السبيل الوحيد لمواجهة تحديات الأوبئة والمناخ والبيئة عموماً، وحبذا لو نتذكر ذلك أيضاً عند التعامل مع قضايا الفقر والحرب والسلم، وتحقيق أهدافنا المشتركة في الأمن والاستقرار.
انطلاقاً من هذا الإدراك، وبعد أن سارعت دولة قطر إلى اتخاذ جميع الإجراءات والتدابير الوقائية لحماية المواطنين والمقيميـن علــى أرضهــا، فإنها لم تر تناقضاً بين واجبها هذا، وبين تقديم المساعدات لأكثر من (60) دولة وخمس منظمات دولية، والمشاركة الفاعلة ضمن الجهود الدولية في حشد الموارد والطاقات لمواجهة هذا الوباء وتداعياته، ودعم المراكز البحثية في عدة دول للحد من التداعيات السلبية الخطيرة لتلك الجائحة والإسراع في اكتشاف لقاح لهذا الفيروس.
السيــد الرئـيــس
بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على الحصار الجائر غير المشروع على دولة قطر، فإننا نواصل مسيرة التقدم والتنمية في شتى المجالات.
ورغم الحصار عززت قطر مشاركتها الفعالة في العمل الدولي المتعدد الأطراف لإيجاد حلول لأزمات أخرى.
كما رسخت خلال الحصار الجائر وغير القانوني الذي تتعرض له ثوابت سياستها القائمة على احترام أحكام ومبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، لا سيما مبدأ احترام سيادة الدول، ورفض التدخل في شؤونها الداخلية.
وانطلاقاً من مسؤولياتنا الأخلاقية والقانونية أمام شعوبنا فقد أكدنا، وما زلنا وسنظل نؤكد، على أن الحوار غير المشروط القائم على المصالح المشتركة واحترام سيادة الدول هو السبيل لحل هذه الأزمة، التي بدأت بحصار غير مشروع ويبدأ حلها برفع هذا الحصار.
وأجدد في هذه المناسبة تقديري البالغ للجهود المخلصة لحضرة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت الشقيقة، كما أثمن مساعي الدول الشقيقة والصديقة لإنهاء هذه الأزمة.
السيدات والسادة،
هناك إجماع دولي على عدالة قضية فلسطين، وعلى الرغم من هذا الإجماع يقف المجتمع الدولي عاجزاً ولا يتخذ أية خطوات فعالة في مواجهة التعنت الإسرائيلي والاستمرار في احتلال الأراضي الفلسطينية والعربية إلى جانب فرض حصار خانق على قطاع غزة، والتوسع المستمر في سياسة الاستيطان، وفرض سياسة الأمر الواقع، وذلك في انتهاك فاضح لقرارات الشرعية الدولية، وحل الدولتين الذي توافق عليه المجتمع الدولي.
إن السلام العادل والمنشود لا يمكن تحقيقه إلا من خلال التزام إسرائيل التام بمرجعيات وقرارات الشرعية الدولية والتي قبلها العرب وتقوم عليها مبادرة السلام العربية، فيما تحاول إسرائيل الالتفاف عليها والتصرف كأن قضية فلسطين غير موجودة. إن أية ترتيبات لا تستند إلى هذه المرجعيات لا تحقق السلام ولو سميت سلامًا. وقد يكون لها غايات أخرى غير الحل العادل لقضية فلسطين، وغير تحقيق السلام الشامل والعادل والدائم.
يضع بقاء قضية فلسطين من دون حل عادل، واستمرار إسرائيل بالاستيطان وخلق الوقائع على الأرض دون رادع أكبر علامة سؤال على مصداقية المجتمع الدولي ومؤسساته.
نحن ندعو المجتمع الدولي - وبخاصة مجلس الأمن – إلى القيام بمسؤوليته القانونية وإلزام إسرائيل بفك الحصار عن قطاع غزة وإعادة عملية السلام إلى مسارها من خلال مفاوضات ذات مصداقية، بحيث تقوم على القرارات الدولية وليس على القوة، وتتناول جميع قضايا الوضع النهائي، وإنهاء الاحتلال خلال مدة زمنية محددة وإقامة دولة فلسطين المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لجميع الأراضي العربية المحتلة.
وفي إطار سعينا لتهيئة البيئة الملائمة للتوصل إلى السلام والاستجابة للصعوبات الاقتصادية والإنسانية التي تواجه الأشقاء في فلسطين فقد واصلنا بالتنسيق مع شركائنا الدوليين تقديم الدعم الإنساني والتنموي لمعالجة الاحتياجات العاجلة والطويلة الأمد في قطاع غزة المحاصر، علاوةً على تعزيز مساهماتنا لصالح وكالة الأونروا.
السيــد الرئـيــس
انطلاقاً من إيماننا الراسخ بحل المنازعات بالطرق السلمية، وبفضل من الله وتوفيقه فقد تكللت جهود وساطة دولة قطر في توقيع اتفاق السلام بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، في الدوحة، في 29 فبراير الماضي، كما تمكنت من إنجاح عملية تبادل الأسرى بين حكومة أفغانستان وحركة طالبان من خلال المناقشات التي عقدت في الدوحة خلال الشهر الماضي.
وتكللت جهودنا مع شركائنا الدوليين بالنجاح في عقد مفاوضات السلام الأفغانية- الأفغانية التي بدأت في الثاني عشر من الشهر الحالي، في الدوحة، ويتوقف نجاحها الآن على الأخوة الأفغان أنفسهم، وسوف نبذل جهدنا بالتعاون مع المجتمع الدولي لتيسير الحوار، يحدونا الأمل في أن يعم قريباً السلام والاستقرار ربوع أفغانستان، إذا ما قرر الجميع التخلي نهائياً عن العنف، وتقبل التنوع والاختلاف والمواطنة المتساوية في هذا البلد.
السيـد الرئيـس
بعد مضي أكثر من تسع سنوات على الأزمة السورية وما شهدته من مآس إنسانية غير مسبوقة، والتي تتفاقم آثارها السلبية الخطيرة عامًا بعد عام، لا يزال الوصول إلى إنهاء هذه الأزمة متعذراً بسبب تعنت النظام السوري وتقاعس المجتمع الدولي، وبخاصة مجلس الأمن، عن أداء دوره في حفظ السلم والأمن الدوليين وحماية المدنيين.
وما زال النظام في سورية يعطل حتى مسار صياغة الدستور الجديد، الذي اقترحته روسيا. وهو للأسف كل ما تبقى من الجهود الدولية لتحقيق حل سلمي ما. فهو يتعامل مع هذا الجهد باستراتيجية مسايرة المجتمع الدولي نفسها التي اتبعها بالمشاركة الصورية في المفاوضات لتمرير الوقت دون نية لإحداث أي تغيير.
وفي هذه المناسبة أكرر موقف دولة قطر الثابت بأن السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة السورية هو الحل السياسي الذي يستند إلى بيان جنيف (1) ، وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، كما تؤكد دولة قطر أنها ستواصل مع المجتمع الدولي دعم جهود تحقيق العدالة ومساءلة مرتكبي الفظائع وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت في سورية.
وفي المجال الإنساني سوف نستمر في تقديم كافة أوجه الدعم والمساعدات للشعب السوري الشقيق في مناطق النزوح واللجوء حتى إنهاء هذه الأزمة.
وبالنسبة للحرب المشتعلة في اليمن الشقيق والتي لا تزال تهدم عمران اليمن، وتقضي على مقومات الحياة فيه، وتهدد الأمن في المنطقة، نؤكد على أن السبيل الوحيد لحل هذه الأزمة هو بالتفاوض بين اليمنيين بموجب مخرجات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة وبخاصة القرار رقم 2216. ونؤكد موقفنا الثابت من وحدة اليمن وسلامة أراضيه.
وبالنسبة للسودان الشقيق نثمن توقيع الحكومة الانتقالية في السودان وعدد من الحركات المسلحة على اتفاق السلام، بجوبا، ونعرب عن تقديرنا لدولة جنوب السودان لرعايتها توقيع هذا الاتفاق، ونتطلع إلى انضمام بقية الفصائل إلى عملية السلام، ونشدد على موقف دولة قطر الثابت بجانب الشعب السوداني الشقيق لعبور هذه المرحلة الانتقالية بنجاح وتحقيق تطلعاته في الاستقرار والتنمية.
ونكرر دعوة الدول ذات الصلة إلى تسهيل جهود الأشقاء السودانيين بإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، فيكفيهم ما هم فيه من مصاعب ومشاق. وفي هذا السياق وقفت قطر مع الأشقاء بتقديم الدعم لهم في مواجهة الفيضان الذي ألحق أضراراً بالغةً بالمنشآت والسكان، ونهيب بالمجتمع الدولي أن يقدم كافة أنواع الدعم اللازمة لهم لمواجهة الكوارث الطبيعية.
وفي الشأن الليبي نجدد الترحيب باتفاق وقف إطلاق النار، وتفعيل العملية السياسية وفقاً لاتفاق الصخيرات وكافة مخرجاته، لتحقيق التسوية السياسية الشاملة، التي تحفظ لليبيا سيادتها ووحدة أراضيها واستقلالها وحقن دماء شعبها والحفاظ على ثرواته. ومن المفيد أن يستوعب الجميع استحالة فرض نظام حكم عسكري بالقوة في ليبيا.
لقد تألمنا لما مر به لبنان بعد الانفجار في مرفأ بيروت، ووقفنا إلى جانب الأشقاء اللبنانيين دون شروط، فليس من عادتنا فرض الشروط السياسية للتضامن في مواجهة الكوارث.
ولكن في النهاية سوف يكون على اللبنانيين بأنفسهم، وليس بالإملاء، إيجاد طرق متوافق عليها للإصلاح، وتلبية تطلعات جيل كامل إلى دولة تقوم على المواطنة وليس على أية انتماءات أخرى. وهذا بالمناسبة تطلع يشاركه فيه جيل الشباب في المنطقة بأسرها.
السيـدات والسـادة،
يظل الإرهاب أحد أبرز التحديات التي يواجهها العالم لما يمثله من تهديد حقيقي للسلم والأمن الدوليين، وإعاقة تحقيق التنمية المستدامة للشعوب، ونحن في دولة قطر لا ندخر جهدًا في المشاركة الفاعلة في الجهود الدولية والإقليمية للتصدي لتلك الظاهرة ومعالجة جذورها ولا سيما من خلال دعم التعليم لملايين الأطفال والشباب والنساء وإيجاد فرص عمل للشباب.
وفي هذا السياق تعزز قطر الشراكة الاستراتيجية مع أجهزة الأمم المتحدة المعنية، وأشير هنا إلى افتتاح مكتب برامج تابع لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب في الدوحة في شهر مايو القادم من أجل تطبيق الرؤى السلوكية على مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف.
السيــد الرئـيــس
وفي مجال المساعدات التنموية للدول النامية والدول الأقل نموًا، ودعم البلدان المتضررة من الآثار السلبية لتغير المناخ، نفذت قطر تعهدها بتقديم مساهمة بمبلغ 100 مليون دولار لدعم البلدان الأقل نمواً والدول الجزرية الصغيرة النامية للتًعامل مع تغير المناخ.
ويسرنا أن نستضيف في الدوحة في شهر مارس القادم مؤتمر الأمم المتحدة الخامس المعني بأقل البلدان نمواً، وإننا على ثقة من أن هذا المؤتمر سيسهم في دعم مسيرتها نحو تحقيق التنمية فيها للسنوات العشر القادمة، وبما يتماشى مع خطة التنمية المستدامة لعام 2030.
وختــامــاً،
نؤكد التزام دولة قطر بالإعلان الذي اعتمدته الجمعية العامة بتاريخ 21 سبتمبر الجاري بمشاركة رؤساء الدول والحكومات، والذي اضطلعت به دولة قطر، بالشراكة مع مملكة السويد، بتيسير المفاوضات الدولية لاعتماده، وسنواصل العمل مع الأمم المتحدة لتحقيق أهدافها ومواجهة التحديات المشتركة بما يحقق مصلحة شعوبنا وخير الإنسانية.
أشكـركـم والسـلام عليكـم ورحمـة الله وبركاتـه ،،