سمو الأمير يشارك في قمة كوالالمبور 2019
شارك حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، في الجلسة الافتتاحية لقمة كولالمبور2019 التي تنعقد تحت عنوان "دور التنمية في تحقيق السيادة الوطنية" بمشاركة كل من جلالة السلطان عبدالله رعاية الدين المصطفى بالله شاه ملك ماليزيا، وفخامة الرئيس رجب طيب أردوغان رئيس الجمهورية التركية، وفخامة الرئيس الدكتور حسن روحاني رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ودولة الدكتور مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا.
حضر الجلسة التي اقيمت بمركز المؤتمرات في العاصمة الماليزية كوالالمبور اليوم اصحاب السعادة الوزراء أعضاء الوفد الرسمي المرافق لسمو الامير ورؤساء وفود عدد من الدول الإسلامية وعدد من الخبراء والمفكرين والباحثين في قضايا العالم الإسلامي.
وستركز القمة على سبعة مجالات رئيسية وهي التنمية الوطنية والسيادة؛ والنزاهة والحكم الرشيد؛ والثقافة والهوية؛ والعدالة والحرية؛ والأمن؛ والسلام والدفاع؛ والتجارة والاستثمار إلى جانب التكنولوجيا وإدارة الإنترنت.
والقى سمو الامير كلمة بهذه المناسبة فيما يلي نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
أصحاب الجلالة، أصحاب الفخامة، أصحاب المعالي،
السيدات والسادة،
أود في البداية أن أتوجه بالشكر إلى معالي الدكتور/ مهاتير بن محمد وحكومة وشعب ماليزيا على حسن الاستقبال والإعداد والتنظيم الجيد لهذه القمة الواعدة وتوفير كافة سبل النجاح لها.
السيدات والسادة،
يعكس شعار هذه القمة "دور التنمية في تحقيق السيادة الوطنية" التحديات الجسيمة التي يواجهها العالم بشكل عام، والعالم الإسلامي بشكل خاص، فيما يتعلق بقضايا الأمن والسلم والتنمية والحكم الرشيد وحقوق الإنسان.
وقد نشأت مدارس مختلفة في مقاربة هذه القضايا ومعالجتها، ولا يمكننا تناولها في هذه القمة. ولكن اجتماعنا اليوم لا ينطلق من هذه المقاربة النظرية أو تلك لهذه القضايا، بل من طبيعة دور الساسة وقادة الدول الذي يتطلب الإيمان بالإرادة السياسية والقدرة على التغيير.
فلا يمكننا الاستسلام لصعوبات بنيوية أو لما يُزعَم أنه معوِّقات ثقافية قائمة في دولنا ومجتمعاتنا. كما أن اللجوء لنظريات المؤامرة لتفسير الفشل في أي من المجالات أعلاه هو أيضا نوع من الاستسلام. وهذا لا يعني أنه لا توجد مؤامرات وتدخلات خارجية. ولكن استخدامها لتبرير الإخفاق والخيارات الخاطئة هو تعبير عن كسل فكري وعجز سياسي، كما أن العوامل الخارجية السلبية، التي تسمى مؤامرات أحيانا، غالبا ما تصبح فاعلة ومؤثرة في ظروف داخلية مواتية.
وتثبت دول تعيش فيها أغلبية مسلمة بالتجربة و الممارسات، أنه لا تناقض بين الثقافة الإسلامية والتنمية والحكم الرشيد وحقوق الإنسان، وأنها كبقية الحضارات الكبرى، يمكن أن تكون حاضنة لأنظمة حكم متنورة ورشيدة، مثلما تبرِّر أنظمةٌ أخرى التخلف والاستبداد والدوس على حقوق الإنسان بالثقافة الإسلامية لشعوبها، وإن كان مثل هذا التبرير بحد ذاته يتعارض مع روح الحضارة الإسلامية.
لسنا مختلفين جوهريًا عن بقية شعوب العالم وحضاراته. والنهج الذي يصنّف الناس درجاتٍ تبعًا لدياناتهم ينم عن تفكير عنصري لا يختلف عن الفكر الذي صنفهم في الماضي درجاتٍ بموجب أعراقهم.
إننا نعتز بحضارتنا وديانتنا في إطار تمسكنا بإنسانيتنا وقيمنا الكونية، ولا تعارض بين الأمرين.
ونحن إذ نجتمع هنا لبحث العلاقة بين التنمية والسيادة، نؤكد على أن التنمية الوطنية، خاصة تلك التي تأخذ التنمية البشرية بالاعتبار، غير ممكنة من دون سيادة وطنية في دولٍ مالكةٍ لقرارها. ومن ناحية أخرى، يكاد يستحيل الحفاظ على السيادة الوطنية واستقلالية القرار في ظروف من التخلف والتبعية الاقتصاديين. ولهذا فإن التنمية ركن أساسي من أركان الاستقلال والسيادة الوطنية.
وفي هذا الصدد فقد جعلت دولة قطر التنمية في مقدمة أولوياتها من خلال استراتيجية التنمية الوطنية 2012/2017، واستراتيجية التنمية الثانية 2018/2022 ، لتحقيق رؤيتها الوطنية 2030.
وفي سياستنا التنموية نعتبر أنّ الثقة بالهويّة الوطنيّة وتمسكنا بقيمنا الأخلاقيّة وديننا الإسلامي الحنيف، ينسجم مع العقلانيّة في التخطيط الاجتماعي والاقتصادي، والانفتاح على العالم، والنظرة الكونيّة الإنسانيّة في قضايا العدالة وحقوق الإنسان. وهذا يعني أيضًا التسامح مع العقائد الأخرى، وقبول التعددية والتنوع في عالمنا بوصفه سُنّةَ الله في خلقه. وعلى كلِّ حال فإنّنا نرى التعصب دليلاً على عدم الثقة بالنفس، بل هو دليلٌ على وجود أزمة هويّة.
وانطلاقاً من إيماننا الراسخ بأهمية التعاون الدولي في تحقيق التنمية كركيزة للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي فإن دولة قطر لم تألُ جهداً في الوفاء بالتزاماتها بتقديم المساعدات الإنمائية غير المشروطةِ بأجنداتٍ سياسية للدول النامية لتمكينها من تنفيذ برامجها التنموية ومكافحة الفقر والبطالة وتطوير التعليم وتحسين الرعاية الصحية.
السيدات والسادة،
إنّ التعصب العنيف الذي يحاول البعض أن يلصقه بدينٍ وثقافةٍ معيّنة هو كما يُظهر تسلسل الأحداث في العصر الحديث مشكلة عالميّة لم يبتل بها مجتمع دون آخر أو ثقافة دون أخرى، وإنّما هو آفةٌ قد تصيب الجميع، ويغذّيها التعصب الديني، وكذلك الأيديولوجي غير الديني، واليأس والإحباط وظروف الجهل والفقر والبطالة. ولهذا فإنّ مواجهتها البعيدة المدى يجب أن تتضمن معالجة جذورها.
ويرتبط موضوعنا ارتباطًا وثيقًا بقضايا الأمن الجماعي الإقليمي والدولي، فالاستقرار من أهم شروط التنمية. وهو يتطلب علاقات متوازنة بين الدول تقوم على المصالح المشتركة والمسؤوليات الإقليمية والدولية المشتركة، والاحترام المتبادل للسيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وعدم الإملاء في السياسة الخارجية.
والعدالة من أهم شروط الاستقرار في مناطق الصراع، فلا تدوم تسويات وحلول على المدى البعيد إذا لم تكن قائمة على العدل والإنصاف. وهذا ما لا تفهمه في كثير من الحالات الدول التي تحاول أن تفرض تسوياتٍ للنزاعات وفق موازين القوى القائمة، وليس بموجب مبادئ العدل. ولذلك فإنّ انحيازنا للقضايا العادلة لا ينطلق فقط من المبادئ الأخلاقيّة في السياسة الدوليّة، وإنّما أيضًا من المصلحة المشتركة بالاستقرار.
إنّ أحد أهم مصادر عدم الاستقرار في منطقتنا هو تحييد الشرعيّة الدوليّة وتهميشها، ومحاولة إملاء إرادة الاحتلال بالقوة في فلسطين، حيث تتواصل سياسات الضم والاستيطان بما في ذلك تهويد القدس. وهي السياسات التي تصفّي الطابع العربي للمدينة، وتستفز مشاعر العرب والمسلمين في كل مكان.
إن ما يزعج الرأي العام العربي والإسلامي وجزءاً كبيراً من الرأي العام العالمي في قضية فلسطين أنها قضية استعمارية استيطانية غير محلولة.
لقد قبل العرب بالتسوية عبر مبادرة السلام العربيّة، وأبدوا استعداداً كبيرا للتعاون مع المجتمع الدولـي لأجل حلٍّ عادلٍ للقضيّــة الفلسطينيّة. ولكنّ الطرف الذي يرفض الانصياع للإرادة الدوليّة والقانون الدولي، ويرفض عرض السلام العادل ولو نسبيا، هو إسرائيل.
إننا نعاني من ازدواجية المعايير في أكثر من قضيّة، وثمّة ازدواجية معايير حتى في التعامل مع حقوق الإنسان، وصراع المحاور عالميًا يجعل البعض يتبنى مجرمي الحرب، ممن ارتكبوا جرائم ضد شعوبهم، بوصفهم حلفاء، فيما يحاربهم البعض الآخر. وقد تتبدل المواقف حسب تبدل المواقع والمصالح.
كما يسود الكيل بمكيالين في حالة مليشيات مسلحة ترتكب أعمالاً إرهابيّة. فالبعض ينسى بلاغته الكلامية ضد الإرهاب والإرهابيين حين يتبنى ميليشيات مسلحة تعمل خارج القانون المحلي والدولي، وترتكب جرائم ضد المدنيين.
نحن ندعو لاعتماد أساليب التفاوض والحوار في حل القضايا العالقة، ونرفض استخدام أساليب القوة والحصار والتجويع وإملاء الرأي. ويتطلب اعتماد هذا الأسلوب حدًا أدنى من الإجماع على منح صلاحية أوسع للمؤسسات الدوليّة التي لا يسود فيها حق الفيتو لهذه الدولة أو تلك.
وفيما عدا العدل القائم على القانون الدولي، يتطلّب الأمن الجماعي نوعًا من العقلانية في العلاقات بين الدول بحيث لا تخضع هذه العلاقات الدوليّة وقضايا الشعوب الأخرى للتنافس السياسي الداخلي بين الأحزاب في كل دولة، في مرحلةٍ قد تسود فيها الشعبويّة واللاعقلانيّة في اعتبارات السياسة الداخلية. وقد أصبح التحريض على الإسلام والمسلمين مؤخرا أداة شعبوية لكسب الأصوات. وهذه سياسة حزبيّة داخليّة قصيرة النظر، لكنها تُخضِع العلاقات مع الشعوب الأخرى لسياساتٍ لاعقلانيّة ونزوات في السياسة الداخلية، مما يُؤثر سلبًا على العلاقات بين الدول.
السيدات والسادة،
أصبح واضحًا أنّ العلاقات مع الآخر داخل كل دولة والتعامل معه على قدم المساواة مع احترام الاختلاف والتمييز هي امتحان لمدى تحضر هذه الدولة وتمدنها. ومثلما نُطالب المجتمعات في الدول الغربية وغيرها أن تتعامل مع الإسلام والمسلمين وفق مبادئ الديمقراطية، وحقوق الإنسان التي تلتزم بها، وأن تجرِّم التحريض العنصري على المسلمين أيضا، علينا أن نتوقع من الدول والمجتمعات المسلمة والمجتمعات غير المسلمة في الشرق أيضًا أن تتعامل مع مواطنيها ومقيميها بمساواة بغض النظر عن العرق والدين والمذهب، وأن تحترم دياناتهم وخصوصيتهم. وعلينا أيضا اعتبار المواطنة والمساواة أمام القانون هي ما يُنظم التعامل بين الفرد والدولة بغض النظر عن عرقه أو دينه أو جنسه أو أصله في الدول المسلمة أيضا.
وباختصار فإن العدالة لا تتجزأ. نحن نطالب بالعدالة والحكم الرشيد في داخل الدول، ونتطلع إلى عدالة وحوكمة رشيدة في العلاقات الدولية.
أدعو الله تعالى أن يكلل أعمال هذه القمة بالنجاح والتوفيق ويسدد خطانا جميعاً إلى ما فيه خير شعوبنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.