سمو الأمير يفتتح دور انعقاد مجلس الشورى 49
تفضل حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، فشمل برعايته الكريمة افتتاح دور الانعقاد العادي التاسع والأربعين لمجلس الشورى، بمقر المجلس صباح اليوم.
حضر الافتتاح معالي الشيخ خالد بن خليفة بن عبدالعزيز آل ثاني رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، وأصحاب السعادة الوزراء.
وألقى سمو أمير البلاد المفدى "حفظه الله" خطابا بهذه المناسبة، وفيما يلي نصه:
بـسـم الله الـرحـمـن الـرحـيـم
الإخـوة والأخـوات أعـضـاء مـجـلـس الـشـورى،
يسعدني أن أتقدم إليكم بخالص التهنئة بمناسبة افتتاح دور الانعقاد الجديد لمجلسكم الموقر متمنياً لكم التوفيق والسداد.
وأود بهذه المناسبة أن أشيد بالجهود التي بذلتموها في دورتكم السابقة ومهامكم البرلمانية خلالها على المستويين المحلي والدولي ومن أهمها تنظيم المؤتمر السابع للمنظمة العالمية للبرلمانيين ضد الفساد الذي عقد بالدوحة.
ويسرني أن أهنئ مجلسكم الموقر بانتخاب سعادة الأخ أحمد بن عبدالله آل محمود رئيساً للمنظمة المذكورة بالإجماع للدورة المقبلة، وأن أعرب عن خالص تقديرنا لجهودكم المثمرة في التوصل إلى الاتفاقيات التي عقدت مع الأمم المتحدة بشأن إنشاء مكتب الأمم المتحدة للبرلمانيين لمكافحة الإرهاب، واختيار الدوحة مقراً له.
حضرات الإخـوة والأخـوات،
يأتي اجتماعنا اليوم ونحن مازلنا نواجه، مع البشرية جمعاء، جائحة كوفيد 19 الخطيرة التي وضعت الجميع أمام اختبارات وخيارات صعبة.
وقد تبين أن الإغلاق الشامل يؤجل انتشار الوباء فحسب، ويضر بالاقتصاد في الوقت ذاته، أما تجاهل الوباء واتباع نموذج ما يسمى خطأً "مناعة القطيع"، ففيما عدا المجازفة الخطيرة بحياة الناس (وهم ليسوا قطيعاً) تبين أن المناعة بعد الإصابة بالمرض ليست مضمونة. وقد اختارت قطر الإغلاقات الجزئية المرحلية المدروسة بعناية، والتشديد على الوسائل الاحترازية، والجاهزية القصوى لعزل المصابين وعلاجهم بعد التمييز بين الحالات، وتدخل الدولة في دعم المرافق الاقتصادية المتضررة من الجائحة. وقد اتضحت صحة خيارنا المرن الذي لا يضحي بصحة الناس ولا بالاقتصاد.
ولقد أثبت نظامنا الصحي جدارته في التعامل مع الجائحة، فظلت بلادنا، بحمد الله، من أقل دول العالم تأثراً بها. وظهرت نتائج سياساتنا الصحية واستثمارنا المثابر في تطوير الجهاز الصحي والكوادر الطبية، من الوقاية ومراكز الرعاية اليومية وحتى المستشفيات.
ولا بد من التأكيد على أن الجائحة ما زالت في أوجها في مناطق مختلفة من العالم، وما زلنا نواجهها في قطر، ومن الضروري عدم التهاون لتجنب موجة ثانية من الوباء، والالتزام بالتعليمات ولا سيما التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات، والالتزام بالحجر المنزلي حين يلزم. وسبق أن قلت أننا لن نتردد في اتخاذ تدابير وقائية حازمة في حالة تفشي الوباء من جديد.
وإدراكاً منا لأهمية التعاون الدولي في التصدي للوباء فقد دعمنا جهود المجتمع الدولي، وقمنا بتقديم المساعدات اللازمة لأكثر من سبعين دولة ومنظمة دولية، وسنواصل دعم الجهود للإسراع في تصنيع اللقاح الضروري وتوفيره بشكل عادل للدول الأكثر احتياجاً.
وثمة دروس مستفادة من الوباء فيما يتعلق بأهمية قطاع الصحة العامة، وأهمية التكامل بين دور الدولة والمجتمع والفرد في الوقاية، وكيفية استمرار الاقتصاد والعملية التعليمية رغم كل شيء، وأهمية التضامن الاجتماعي، وتقدير دور العاملين في المجالات الحيوية الذين يقدمون الخدمات للمحجورين في بيوتهم مثل توفير الغذاء والخدمات الصحية والأمن والشرطة والمواصلات وغيرها.
الإخـوة والأخـوات،
على المستوى العالمي، ألحقت الجائحة ضرراً فادحاً بمعظم الفعاليات الاقتصادية، وحركة الأموال والأشخاص، ولذا تشير التوقعات بشأن النمو على المستوى العالمي هذا العام إلى انكماش اقتصادي قد يصل إلى 5% .
ومن الطبيعي أن يؤدي الانكماش الاقتصادي إلى تراجع أسعار الطاقة.
وبذلك تعرضت الدول المصدرة للنفط والغاز إلى أزمة مزدوجة بسبب انخفاض أسعارهما من ناحية، والآثار التي ألحقتها الجائحة بالنشاط الاقتصادي المحلي من ناحية أخرى.
وقد اتخذت الدولة إجراءات سريعة على محورين، الأول دعم القطاع الخاص والمحافظة على سلامة الأسواق المالية والمصرفية والريال القطري، والثاني المحافظة على سلامة الموازنة العامة للدولة. وفي هذا الصدد فقد وجهنا بتقديم دعم للقطاع الخاص المتضرر من الإجراءات التي اتخذتها الدولة للحد من تفشي الوباء. بمبلغ 75 مليار ريال قطري.
وكذلك بإزالة جميع المعوقات أمام هذا القطاع من أجل استمرارية الأعمال وتعزيز قدرة الشركات الصغيرة والمتوسطة على مواجهة هذه التداعيات.
كما أقرت مجموعة من التسهيلات والإعفاءات من الرسوم الجمركية على السلع الغذائية والدوائية، ومن رسوم الكهرباء وغيرها من الخدمات.
ونتيجةً لهذه الإجراءات تمكنا من المحافظة على سلامة الوضع النقدي والمصرفي والمالي، فواصلت الاحتياطات الرسمية نموها في العام الجاري واتسع نطاق تنوع مصادر وودائع القطاع المالي، كما أثبت الريال القطري متانته وقدرته في مواجهة الأزمات الخارجية حيث حافظ خلالها على قيمته وحرية صرفه.
كما اتخذت الدولة إجراءات سريعة وضرورية للتخفيف من الآثار السلبية لانخفاض أسعار النفط والغاز على الموازنة العامة.
وأظهرت النتائج الأولية أن العجز في الموازنة العامة خلال النصف الأول من هذا العام بلغ نحو 1,5 مليار ريال فقط على الرغم من أن التوقعات لهذا العجز كانت أعلى من ذلك بكثير. وتحقق ذلك بسبب ترشيد الإنفاق الحكومي المترافق مع رفع كفاءة القطاع العام.
وعلى الرغم من التقليصات تواصل الموازنة تركيز الإنفاق على الصحة والتعليم ومشاريع البنية التحتية الكبرى.
وحرصاً منا على تلافي الآثار الاقتصادية السلبية الناجمة عن التقلبات السوقية في أسعار النفط فقد وجهنا بأن تبنى الموازنة العامة للدولة على أساس تسعير برميل النفط بـ 40 دولاراً، وهو أقل من السعر المتوقع.
واستطاع قطاع الطاقة في الدولة تخطي تداعيات هذه الجائحة بأقل الأضرار. فلم تتأثر عمليات الإنتاج والتصدير. واستمرت قطر للبترول في الوفاء بالتزاماتها تجاه جميع الأطراف التعاقدية. كما أن سير العمل يمضي دون توقف في مشاريع الطاقة الرئيسية والمتمثلة بمشروع توسعة إنتاج الغاز المسال ، إضافة إلى المشاريع في الخارج.
الإخـوة والأخـوات،
تمضي جهودنا لتحقيق أهداف رؤية قطر الوطنية، وعلى الأخص فيما يتعلق بتحقيق الأمن الغذائي، وتشجيع الاستثمار بإصدار سلسلة من التشريعات المحفزة للاستثمار وتحسين بيئة الأعمال وخصوصاً قانون تنظيم الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص.
وقد بدأت هذه القوانين والإجراءات تؤتي ثمارها، فمنذ بداية هذا العام، ازداد عدد المصانع المؤسسة وحجم الاستثمارات وحجم العاملين فيها بنسب عالية. كما حدثت زيادة ملحوظة في تأسيس الشركات الأجنبية وحجم الاستثمار الأجنبي.
وفي مجال حماية البيئة بدأت قطر بتطوير شبكة وطنية لرصد الهواء في مناطق مختلفة من الدولة، وصياغة برنامج لرصد البيئة البحرية، ووضع برامج للتصدي للطوارئ الناجمة عن التلوث الزيتي والمواد الخطرة والإشعاعية.
وبفضل من الله تعالى، وفي ضوء رؤيتنا بعيدة المدى لما نريده لمستقبل بلادنا والتخطيط له، تمكنا من تجاوز المعوقات والتحديات التنموية التي مررنا بها في السنوات القليلة الماضية. ونتيجة لذلك، حافظت قطر على تصنيفها الائتماني في الدراسات التي أجرتها مؤسسات التصنيف العالمية لعام 2020، فقد أجمعت هذه المؤسسات على تثبيت تصنيف ائتماني مرتفع لدولة قطر مع تثبيت النظرة المستقبلية المستقرة لاقتصادها. ويشير ذلك إلى ثقة بمتانة الاقتصاد القطري وقدرته على استيعاب الأزمات الاقتصادية الكبيرة بما في ذلك أزمة الجائحة الحالية، وصموده، وحتى تطوره، رغم الحصار.
لكن هذا لا يجب أن يدعونا إلى التهاون والتراخي. فما زالت أمامنا تحديات كبيرة لتحقيق أهداف رؤيتنا بعيدة المدى.
ولتحقيق ذلك لابد من الإسراع في تقليل الاعتماد على إيرادات النفط والغاز المتقلبة بسبب تقلبات أسعارهما وانخفاض سقوفها مع مرور الزمن، كما بينت ذلك الأزمة الأخيرة. وهذا لا يأتي إلا بتعزيز التنويع الاقتصادي في قطر والاتجاه نحو زيادة إنتاجية العمل ونجاعته في القطاع العام وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار.
وعلى الدولة أن تبذل أقصى جهدها لتنويع مصادر دخلها عبر الاستثمار في الصندوق السيادي للأجيال القادمة وغيره؛ ولكن تنويع مصادر الدخل يعتمد أيضاً على المجتمع والقطاعات الاقتصادية والخدمية التي يعمل فيها أفراده بالادخار والمبادرات الخاصة والاستثمار والانتقال من عقلية الاستهلاك إلى عقلية المجتمع المنتج، ويجب أن يفسح المجال لذلك.
وبالنسبة للقطاع الحكومي، من الضروري التأكيد على أن البرامج والمشاريع التنموية يجب أن تطبق بكل دقة وكفاءة. وأؤكد مرة أخرى أن الوظيفة في قطاعات الدولة المختلفة ليست مجرد استحقاق، بل هي واجب ومسؤولية. ولهذا لا بد من ربط الأجر والترقية بالجدارة والإنتاجية وتطبيق ذلك على جميع العاملين في الدولة بدون استثناء. ومثلما لا يحتمل أي مستثمر في القطاع الخاص أن يتلقى أفراد أجراً دون عمل ومردود حقيقي، لا يجوز أن نتوقع غير ذلك من الدولة.
الإخـوة والأخـوات أعضاء مجلس الشورى،
فقدت أمتنا العربية هذا العام رجلين من أعظم رجال الخليج، هما جلالة السلطان قابوس باني عمان الحديثة الذي ربطته بقطر علاقات من الأخوة والود المتبادلين، وصاحب السمو الشيخ صباح الذي عمل بكل ما أوتي من قوة للتوفيق بين الدول العربية وإصلاح ذات البين في الخليج، والذي لن ننسى مواقفه معنا. ونأمل أن تستلهم دول مجلس التعاون من اعتدال فقيدينا وحكمتهما المواعظ والعبر الصحيحة لمستقبل العلاقات فيما بينها.
وبالنسبة لسياستنا الخارجية، وعلى الرغم من استمرار الحصار الجائر علينا منذ أكثر من ثلاث سنوات، فإن مكانة قطر الدولية تتعزز بسبب تكثيف نشاطنا في القضايا التي تهم المجتمع الدولي مثل التغير المناخي ومكافحة الفقر ومحاربة الإرهاب وغيرها، وبسبب اتباع سياسات حكيمة ومسؤولة ومبدئية، والإسهام في حل العديد من النزاعات بالطرق السلمية عبر الحوار.
وفيما يتعلق بمنطقتنا، فإننا نؤكد على موقفنا الثابت من عدالة القضية الفلسطينية والحقوق المشروعة لأشقائنا الفلسطينيين بما في ذلك إقامة دولتهم المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية والحل العادل لقضية اللاجئين، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية.
الإخـوة والأخـوات،
كادت الاستعدادات لانتخابات مجلس الشورى تصل إلى ختامها، وسوف تجرى الانتخابات في شهر أكتوبر من العام القادم. سوف تجري هذه الانتخابات، بإذن الله، بموجب الدستور الذي استفتي عليه في العام 2003 وصدر عام 2004. وبهذا نقوم بخطوة مهمة في تعزيز تقاليد الشورى القطرية وتطوير عملية التشريع بمشاركة أوسع من المواطنين.
لدينا نظامنا الراسخ المتجذر في بنية مجتمعنا والمتداخل معها. وهو ليس تعددية حزبية ، بل هو نظام إمارة مستند إلى تقاليد راسخة من الحكم العادل والرشيد المرتبط بالشعب بالمبايعة وعلاقات الولاء والثقة المتبادلة والتواصل المباشر بينه وبين المجتمع.
ليست الانتخابات معيار الهوية الوطنية القطرية فقد تبلورت هوية قطر عبر الزمان وتظهر في أبهى صورها في تضامن مجتمعنا وتماسكه، وقيمه الأخلاقية السمحة، وحبه لوطنه، كما ظهرت في تحدي الحصار.
وفي الختام، أتمنى لكم دوراً تشريعياً مثمراً، كما عودتمونا دائماً.
وفقكم الله، والـسـلام عليـكـم ورحـمـة الله وبركاتــه،