بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله، وعلى بركته تعالى، أعلن افتتاح الدور الخامس والثلاثين لمجلس الشورى.
حضرات الإخوة أعضاء مجلس الشورى،
يطيب لي أن ألتقي معكم في بداية الفصل التشريعي السنوي الجديد لمجلسكم الموقر، لنقيّم أداء عام مضى، ولنستعرض الخطوط العريضة لبرامجنا المستقبلية.
حضرات الإخوة،
ما زال النمو الاقتصادي الذي شهدته البلاد خلال السنوات العشر الماضية يواصل الارتفاع، فقد بلغ مستوى الناتج المحلي الإجمالي في عام 2005 ما يقارب 237% من مستواه في عام 2001، أي أنه تضاعف في أقل من أربع سنوات. وبلغ معدل النمو في السنة الأخيرة وحدها أكثر من 30%. وينطبق هذا التحسن كذلك على معظم المؤشرات الكلية الأساسية، كالميزان التجاري وميزان المدفوعات والموازنة العامة، حيث وصلت فوائضها إلى مستويات قياسية.
إلا أن معدل التضخم الذي بدأ في الارتفاع عام 2004 استمر في هذا الاتجاه خلال عام 2005، والنصف الثاني من عام 2006. ويعود هذا الارتفاع لأسباب عدة؛ منها الزيادة العالمية في أسعار الواردات، ومعدل النمو المرتفع للاقتصاد القطري في السنوات القليلة الماضية، والذي أدى إلى عدد من الاختناقات، لم يتمكن فيها العرض من الاستجابة الكاملة للطلب المتزايد. ولقد كان ارتفاع الأسعار في قطاع الإسكان أحد أهم مكونات هذا التضخم الذي انعكس على قطاعات أخرى كالمواد الغذائية والخدمات والفنادق.
ولقد اتخذت الحكومة عدداً من الإجراءات للحد من هذا الارتفاع في قطاع الإسكان، من الواضح أنها لم تكن كافية. ولهذا فإننا سنكثف الجهود لمحاربة هذه الظاهرة التي نحن على دراية بمضارّها الكبيرة على الاقتصاد القطري بشكل عام وعلى الاستثمارات المحلية والأجنبية والإنفاق المحلي وميزانيات الهيئات والمؤسسات العامة والخاصة، وعلى القوة الشرائية لشريحة كبيرة من المواطنين والمقيمين بشكل خاص.
في الوقت نفسه استمر التوسع الكبير في إقامة المشاريع الضخمة في صناعات النفط والغاز والبتروكيماويات والصناعات الثقيلة. وقد شهدت قطر خلال عام 2006 توقيع اتفاقيات ووضع حجر أساس وتدشين عدد من المشاريع العملاقة والمتنوعة، التي اشتملت على مصفاة للمكثفات، ومصنع للألمنيوم، ومعامل لتحويل الغاز إلى سوائل، ولإنتاج الإثيلين والبولي إيثيلين، ولإنتاج الغاز لسد الاحتياجات المحلية المتزايدة. كما أنها شملت توسعة مرفأ رأس لفان، وبناء حوض جاف لإصلاح السفن وتصنيع المواد المساندة.
حضرات الإخوة،
وعلى الأصعدة الاقتصادية الأخرى فقد بدأنا في التوسع في استثمار فوائضنا المالية في الخارج من أجل تنويع الاقتصاد، وتقليل المخاطر، وبناء احتياط كاف للأجيال القادمة. كما أننا مستمرون في العمل على تحفيز القطاع الخاص وزيادة دوره في التنمية، وتطوير القوانين الاقتصادية الضرورية لتشجيع الاستثمار وتقوية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية وتنظيم الفعاليات التجارية والمالية، كان آخرها تعديل قانوني التجارة والشركات بما يتيح لرؤوس الأموال غير القطرية تأسيس شركات مملوكة بالكامل لغير القطريين في مجالات عدة.
لقد كان من أهدافنا الأساسية، طوال السنوات العشر الماضية، وفي إطار التنمية المستدامة لبلدنا، بناء قاعدة صلبة لاقتصاد وطني قوي قادر على المنافسة، يأخذ المتغيرات العالمية في الاعتبار. ونحمد الله أننا حققنا نتائج طيبة تؤهلنا لتحقيق المزيد من الإنجازات في مختلف المجالات.
ولم يكن البحث العلمي، أيها الإخوة، بعيداً عن تفكيرنا ونحن نواصل تقدمنا الاقتصادي، بل إننا نعتبر زيادة الاستثمار فيه أحد الشروط اللازمة لرفع معدلات التنمية. ولهذا فسوف يتم تخصيص نسبة 2,8% من الناتج المحلي الإجمالي لدعم البحث العلمي، مما سيمكننا من تعظيم الاستفادة من مواردنا الطبيعية، وتطوير تقنيات تهدف إلى تخفيض تكلفة الإنتاج والوصول إلى مستويات عالية من الجودة والسلامة، وتشجيع الاستثمارات المحلية، وتطوير مواردنا البشرية. وذلك كله بالإضافة إلى ما تم إنجازه بالفعل من توسع في التعليم الفني والصناعي، وافتتاح عدد من الكليات والجامعات العالمية المرموقة، والتطوير المستمر لجامعة قطر الذي اشتمل على حصولها على استقلالية مالية وإدارية، وزيادة ما تخصصه للإنفاق على البحث العلمي، ونيل عدد من برامجها للاعتماد العالمي وفق المعايير الأكاديمية الدولية.
وقد نالت الرياضة بدورها نصيباً كبيراً من اهتمامنا، لأنها ليست مجرد أنشطة بدنية، برغم أهمية ذلك، وإنما هي أيضاً أحد وسائل دفع عجلة الاقتصاد قدما، وقناة للتواصل وتعميق التفاهم بين الشعوب، علاوة على أنها أحد الأشكال الهامة للسياحة في العالم بأسره.
حضرات الإخوة،
وفيما يتعلق بسياستنا الخارجية فإنها تلتزم -كما تعلمون- بثوابتنا الوطنية، وبدعم قضايا أمتينا العربية والإسلامية، والعمل على تعزيز مسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وبناء موقف عربي موحد يخدم قضايانا القومية في إطار جامعة الدول العربية. كما أننا نبذل كل جهد مستطاع لتوطيد الأمن والاستقرار في منطقتنا التي تعاني من صراعات حادة ومشاكل مزمنة. فما زال العراق الشقيق يعاني للأسف من أوضاع صعبة بسبب أعمال العنف التي يروح ضحيتها العشرات من أبنائه يومياً. لذلك فإننا نؤيد وندعم كل الجهود المخلصة الهادفة إلى إخراج العراق من محنته والمحافظة على أمنه ووحدته وسلامة أراضيه.
وقد كشف العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان أيضاً وبجلاء مدى خطورة الوضع في منطقة الشرق الأوسط وقابليته للانفجار بسبب اللجوء إلى القوة العسكرية وعدم استخدام الوسائل السلمية للوصول إلى تسوية عادلة للنزاعات، تلبي تطلعات شعوب المنطقة إلى سلام دائم وشامل.
إن غياب الحل العادل للقضية الفلسطينية، والمعاناة الهائلة التي يتحملها الشعب الفلسطيني الشقيق، والتي فاقت كل حدود التصور، هي السبب الحقيقي في تفاقم النزاعات في الشرق الأوسط وتعدد صورها. ولذا فإن على المجتمع الدولي أن يعطي أولوية قصوى للتوصل إلى حل عادل لتلك القضية وفق قواعد الشرعية الدولية، إذ لم تعد الحلول المؤقتة أو التسويات الجزئية كافية أو مقبولة إذا أريد لهذه المنطقة أن تنعم بالأمن والاستقرار.
كما نأمل أن يقدم المجتمع الدولي كل عون ممكن للسودان الشقيق لكي يتوصل إلى حل سلمي للأزمة الدائرة في إقليم دارفور، لا سيما وأن الحكومة السودانية قد اتخذت بالفعل العديد من الخطوات الإيجابية بهذا الاتجاه. ونرجو أيضا أن يتوصل الإخوة في الصومال الشقيق إلى حل توافقي ينهي خلافاتهم ويعيد لبلدهم الأمن والاستقرار ويجنبه مزيداً من الانقسام والمعاناة.
أما بخصوص البرنامج النووي الإيراني والذي يهم منطقتنا بشكل بالغ فإننا نؤكد من جديد على ضرورة تسوية تلك المسألة بالوسائل السلمية وبمواصلة الحوار الدولي مع إيران.
والتزاما منا بمبادئنا الثابتة في احترام الشرعية الدولية، وحل المنازعات بالطرق السلمية، فقد سعينا وما نزال، سواء في الأمم المتحدة بحكم عضويتنا في مجلس الأمن، ومن خلال علاقاتنا الدبلوماسية، إلى بذل كل جهد ممكن للمساهمة في إيجاد حلول لكل تلك القضايا، واحتواء آثارها المتفجرة التي تثقل كاهل شعوب المنطقة دون استثناء، وتقف حجر عثرة في سبيل مستقبل أفضل لها.
حضرات الإخوة،
أشكركم جميعاً على جهودكم المخلصة في خدمة بلدكم، وأرجو لكم دوام التوفيق والنجاح.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته