يبدأ التاريخ الحديث لقطر في القرن الثامن عشر حين انتظم أمر القبائل القطرية بزعامة آل ثاني، واتخذت البلاد طريقها نحو الاستقرار، مستقلة عن جيرانها، مرتبطة بعلاقات متزنة بمختلف الأطراف النافذة في المنطقة.
فقد وقّع الشيخ محمد بن ثاني سنة 1868 اتفاقية مع السلطات البريطانية في الخليج تم فيها الاعتراف بقطر كيانا سياسيا مستقلا، وتعهدت بموجبها بريطانيا بحماية قطر من أي عدوان خارجي.
وفي الربع الأخير من القرن التاسع عشر دخلت قطر في مظلة الخلافة العثمانية وحافظت تحت حكم شيخها جاسم بن محمد آل ثاني على روابطها بدولة الخلافة، مع وجود تباين في المواقف تجاه بعض الأمور، حتى وفاة الشيخ (في 17 يوليو 1913)، وقيام الحرب العالمية الأولى.
وفي عام 1916 وقّع الشيخ عبد الله بن جاسم آل ثاني حاكم قطر آنذاك معاهدة حماية مع بريطانيا، تضمنت أحد عشر بندا تحفظ الشيخ علي على ثلاثة منها، رأى أنها تمس بالسيادة الوطنية وهي:
وبموجب البنود الثاني والعاشر والحادي عشر تعهدت بريطانيا بحماية قطر من جهة البحر، وبمنع أي جهة خارجية من التدخل في شؤونها الداخلية.
وفي سنة 1935 قام الشيخ عبد الله بتجديد تلك المعاهدة، ومنح شركة البترول الإنجليزية الفارسية امتيازا للتنقيب عن النفط في البلاد، إضافة إلى الموافقة على تعيين مقيم بريطاني في قطر، وإن لم يتحقق هذا الأمر الأخير إلا في سنة 1949، لتكون قطر بذلك آخر بلد خليجي يوافق على تعيين مقيم بريطاني.
ورغم أن بشائر النفط بدأت في نهاية عام 1939 إلا أن عمليات الاستكشاف توقفت في سنوات الحرب العالمية الثانية، وتزامن ذلك مع تدهور صناعة الغوص وبوار سوق اللؤلؤ الطبيعي فساءت الأحوال الاقتصادية في البلاد، حتى بداية الخمسينيات حينما بدأ تأثير تصدير النفط يظهر على الحياة الاجتماعية في قطر.
تمكنت قطر في الستينيات من الاشتراك في بعض الأنشطة الدولية، وذلك بالانضمام إلى منظمات تابعة للأمم المتحدة كمنظمة اليونسكو ومنظمة الصحة العالمية، كما اشتركت في مؤتمرات الدول المنتجة للنفط.
وفي يناير 1968 سحبت الحكومة البريطانية قواتها من شرق قناة السويس منهية بذلك عصر معاهدات الحماية مع حكام الخليج العربي.
وقد أصدر الشيخ أحمد بن على آل ثاني –حاكم قطر آنذاك– مرسوما بالقانون رقم (11) لعام 1969 بإنشاء إدارة للشؤون الخارجية كانت نواة لوزارة خارجية دولة قطر فيما بعد.
وصدر أول دستور قطري في شكل نظام أساسي في أبريل 1970، متضمنا تشكيل أول مجلس وزراء، فصدر المرسوم رقم (35) في 29 مايو 1970 بتشكيل مجلس الوزراء وتعيين اختصاصاتهم وعمل الأجهزة الحكومية الأخرى طبقا لما ورد في النظام الأساسي.
واجتمع مجلس الوزراء للمرة الأولى يوم 3 يونيو 1970، وكان يضم عشرة وزراء.
وفي 3 سبتمبر 1971 أعلن الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني ولي العهد رئيس مجلس الوزراء آنذاك إنهاء معاهدة 1916 مؤْذنا بمرحلة جديدة من تاريخ البلاد تسلمت فيها الحكومة كامل زمام الأمور، وأصبحت قطر دولة مستقلة.
الشيوخ المؤسسون والأمراء المتعاقبون وفترات حكمهم:
تبدأ رحلة التاريخ في شبه الجزيرة القطرية منذ آلاف السنين، وتدل الآثار المكتشفة في مواقع مختلفة من قطر على وجود حضارات قديمة في المنطقة، وتشير بعض الدلائل إلى أن البلاد كانت مأهولة بالسكان منذ الألف الرابع قبل الميلاد.
وقد ذكر قدماء المؤرخين والجغرافيين -من اليونان والرومان- اسم قطر بصيغ مختلفة. ويُرجّح أن أول من استوطن البلاد جماعات كنعانية اشتهرت بفنون الملاحة والتجارة البحرية.
وبحكم موقعها الجغرافي المميز فقد تأثرت بحضارات كثيرة كحضارات بلاد الرافدين وحضارات الهند والسند.
وكانت سواحلها -كبقية سواحل الخليج العربي- مركزا للتبادل التجاري العالمي ومعبرا للقوافل التجارية منذ القدم، ومسرحا لصراعات وحروب بين أقوام شتى.
وقبل الإسلام كانت البلاد موطنا لبعض القبائل العربية كبكر بن وائل وعبد القيس. وقد تغنى العرب الأوائل في أشعارهم بنجائب الإبل القطرية، وأشادوا ببرودها ونسجها، وبمهارة أهلها في صناعة الرماح وتقويمها.
وفي عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- دخلت المنطقة عموما في الإسلام، وانطلق من سواحلها بعض من بعثات الفتح الإسلامي إلى الساحل الشرقي للخليج العربي.
واستمرت منقطة شبه الجزيرة العربية ومنها قطر تحت حكم الخلفاء الراشدين ثم الأموي ثم العباسي إلى أن وقعت تحت حكم القرامطة.
ومن أشهر من نسب إلى قطر في صدر الإسلام أبو نعامة قطري بن الفجاءة المتوفى نحو 78 هـ 697 م، كان خطيبا شاعرا وفارسا مشهورا، ومن أبرز سادات العرب في تلك الفترة.
وفي مطلع القرن السادس عشر وصل البرتغاليون إلى شواطئ الخليج العربي، وهاجموا في إحدى المرات القرى الساحلية في قطر وأحدثوا دمارا كبيرا.
وفي عام 1537 تحالف أهل الخليج ومنهم أهل قطر وبعض قطع الأسطول العثماني لطرد البرتغاليين من مواقعهم، وعلى إثر ذلك دخلت قطر في دائرة النفوذ العثماني كبقية بلدان المنطقة، ثم شهدت قيام كيانات قبلية كان لها تأثير مباشر كبني خالد الذين حكموا منطقة تمتد من قطر إلى الكويت.
في هذه الأثناء أصبحت مدينة الزبارة من أهم موانئ الخليج العربي وأكثرها ازدهارا وثراء، واشتهرت بتجارة الترانزيت حيث تصدر جميع البضائع إلى وسط الجزيرة العربية، كما اشتهرت بتصدير اللؤلؤ وغيره إلى مناطق مختلفة من العالم، وأمَّها واستوطنها الكثير من تجار البصرة والخليج.
لقد عانت البلاد من تجاذبات وصراعات القبائل المختلفة والقوى الطامعة، حتى استتب الأمر لأسرة آل ثاني في ستينيات القرن التاسع عشر بزعامة الشيخ محمد بن ثاني الذي تمكن من توحيد القبائل القطرية وإقامة كيان مستقل تمخض عن تأسيس قطر على يد ابنه الشيخ جاسم سنة 1878.
وقد استطاع شيوخ قطر الأوائل أن يشقوا طريقهم وسط العديد من الصعاب والمتاعب، وأن يتغلبوا على كثير من معوقات البناء والاستقرار؛ كالنزاعات القبلية، والحروب الإقليمية، والأطماع الإنجليزية المتربصة آنذاك، فضلا عن التحديات الاقتصادية والأمنية.
وعلى المستوى الخارجي حافظت قيادات قطر على علاقات طيّبة بمختلف القوى النافذة في المنطقة، مع الاحتفاظ باستقلال القرار والرؤية.
وقد تحددت العلاقات القطرية البريطانية في معاهدة 1868 التي وقعها الشيخ محمد بن ثاني مع المقيم البريطاني في الخليج العقيد “بيلي”، وهي أول معاهدة بين الطرفين.
ثم في معاهدة 1916 التي وقعها الشيخ عبد الله بن جاسم آل ثاني مع الحكومة البريطانية والتي انتهت بخروج بريطانيا من الخليج وإعلان استقلال قطر يوم 3 سبتمبر 1971 في عهد الشيخ أحمد بن علي آل ثاني.
في بداية القرن الثامن عشر نزحت أسر وقبائل كثيرة من نجد إلى قطر بسبب سوء الأحوال الاقتصادية والاجتماعية، وكانت موانئ قطر في ذلك الوقت تمثل مناطق جذب لأبناء وسط الجزيرة العربية بما تتميز به من ازدهار ورواج تجاري.
وتشير المصادر التّاريخية إلى أن أجداد آل ثاني هاجروا من أشيقر بمنطقة الوشم في نجد واستقروا في بلدة يبرين إلى الجنوب الشرقي من شبه جزيرة قطر، ومن هناك انتقلوا إلى "اسكك" في جنوب البلاد، ثم ارتحلوا شمالا إلى الرّويس وفويرط، ثم إلى الزبارة حيث ولد الشيخ ثاني بن محمد، إلى أن استقرت الأسرة في الدوحة وتولت الحكم وتأسيس إمارة قطر.
ولم تكن القبائل التي استقرت في شبه الجزيرة القطرية، حتى أواسط القرن التاسع عشر، في وضع سياسي متماسك يساعدها على إقامة إمارة. إلا أن قوة آل ثاني نمت في هذه الفترة واتسعت ثروتهم من تجارة اللؤلؤ وتعزز مركزهم الاجتماعي والمالي، فتمكنوا من توحيد القبائل وقيادة البلاد في ظل ظروف مضطربة تمثلت أساسا في الصراع البريطاني العثماني للسيطرة على المنطقة.
وكانت الأسرة قد استقرت في الدوحة عام 1848، واستتب الأمر للشيخ محمد بن ثاني الذي تَزَعَّمَ عشيرته بعد وفاة والده، وبسط نفوذه على مختلف أنحاء البلاد، موحدا القبائل القطرية تحت راية واحدة.
ويعود نسب آل ثاني إلى المعاضيد وهم عشيرة من الوهبة إحدى بطون حنظلة بن مالك من بني تميم.
وثاني جد الأسرة هو ثاني بن محمد بن ثامر بن علي بن سيف بن محمد بن راشد بن علي بن سلطان بن بُريد بن سعد بن سالم بن عمرو بن معضاد بن ريّس بن زاخر بن محمد بن علوي بن وُهَيب بن قاسم بن موسى بن مسعود بن عقبة بن سُنَيع بن نهشل بن شداد بن زهير بن شهاب بن ربيعة ابن أبي سُود بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مُرّ بن أُدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن مَعدّ بن عدنان.